الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَسْبِقَ الْجُمُعَةَ، وَلَا يُقَارِنُهَا أُخْرَى. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَا يَجْمَعُ فِي مِصْرَ - وَإِنْ عَظُمَ، وَكَثُرَتْ مَسَاجِدُهُ - إِلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ. وَأَمَّا بَغْدَادُ، فَقَدْ دَخَلَهَا الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُمْ يُقِيمُونَ الْجُمُعَةَ فِي مَوْضِعَيْنِ. وَقِيلَ: فِي ثَلَاثَةٍ، فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَمْرِهَا عَلَى أَوْجُهٍ. أَصَحُّهَا: أَنَّهُ إِنَّمَا جَازَتِ الزِّيَادَةُ فِيهَا عَلَى جُمُعَةٍ، لِأَنَّهَا بَلْدَةٌ كَبِيرَةٌ يَشُقُّ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، فَعَلَى هَذَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْجُمُعَةِ الْوَاحِدَةِ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ، إِذَا كَثُرَ النَّاسُ وَعَسُرَ اجْتِمَاعُهُمْ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ، وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا تَصْرِيحًا وَتَعْرِيضًا. وَمِمَّنْ رَجَّحَهُ: الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ، وَالْحَنَّاطِيُّ - بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ، وَتَشْدِيدِ النُّونِ - وَالْقَاضِي الرُّويَانِيُّ، وَالْغَزَّالِيُّ. وَالثَّانِي: إِنَّمَا جَازَتِ الزِّيَادَةُ فِيهَا، لِأَنَّ نَهْرَهَا يَحُولُ بَيْنَ جَانِبَيْهَا فَيَجْعَلُهَا كَبَلْدَتَيْنِ. قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ ابْنُ سَلَمَةَ. وَعَلَى هَذَا لَا يُقَامُ فِي كُلِّ جَانِبٍ إِلَّا جُمُعَةٌ. فَكُلُّ بَلَدٍ حَالَ بَيْنَ جَانِبَيْهِ نَهْرٌ يُحْوِجُ إِلَى السِّبَاحَةِ، فَهُوَ كَبَغْدَادَ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ، بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْجَانِبَانِ كَبَلَدَيْنِ، لَقَصَرَ مَنْ عَبَرَ مِنْ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ، وَالْتَزَمَ ابْنُ سَلَمَةَ الْمَسْأَلَةَ، وَجَوَّزَ الْقَصْرَ. وَالثَّالِثُ: إِنَّمَا جَازَتِ الزِّيَادَةُ، لِأَنَّهَا كَانَتْ قُرًى مُتَفَرِّقَةً، ثُمَّ اتَّصَلَتِ الْأَبْنِيَةُ، فَأُجْرِيَ عَلَيْهَا حُكْمُهَا الْقَدِيمُ، فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ تَعَدُّدُ الْجُمُعَةِ فِي كُلِّ بَلَدٍ هَذَا شَأْنُهُ. وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ أَبُو حَامِدٍ بِمَا اعْتَرَضَ عَلَى الثَّانِي. وَيُجَابُ بِمَا أُجِيبَ فِي الثَّانِي. وَأَشَارَ إِلَى هَذَا الْجَوَابِ صَاحِبُ «التَّقْرِيبِ» . وَالرَّابِعُ: أَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَجُوزُ بِحَالٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يُنْكِرِ الشَّافِعِيُّ، لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ اجْتِهَادِيَّةٌ، وَلَيْسَ لِمُجْتَهِدٍ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى الْمُجْتَهِدِينَ. وَهَذَا ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُتَقَدِّمُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَطَبَقَتُهُ، لَكِنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مَا قَدَّمْنَاهُ. وَحَيْثُ مَنَعْنَا الزِّيَادَةَ عَلَى جُمُعَةٍ، فَعَقَدُوا جُمُعَتَيْنِ، فَلَهُ صُوَرٌ.
أَحَدُهَا: أَنْ تَسْبِقَ إِحْدَاهُمَا فَهِيَ الصَّحِيحَةُ. وَالثَّانِيَةُ: بَاطِلَةٌ. وَبِمَ يُعْرَفُ السَّبْقُ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. أَصَحُّهَا: بِالْإِحْرَامِ. وَالثَّانِي: بِالسَّلَامِ. وَالثَّالِثُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute