ثُمَّ مَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ فِي حَقِّ قَاطِعِ الطَّرِيقِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ يَسْقُطُ بِنَفْسِ التَّوْبَةِ، وَأَمَّا تَوْبَتُهُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ، وَتَوْبَةُ الزَّانِي وَالسَّارِقِ فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: كَذَلِكَ، وَيَكُونُ إِظْهَارُ التَّوْبَةِ كَإِظْهَارِ الْإِسْلَامِ تَحْتَ السَّيْفِ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ مَعَ التَّوْبَةِ إِصْلَاحُ الْعَمَلِ لِيَظْهَرَ صِدْقُهُ فِيهَا، وَنَسَبَ الْإِمَامُ هَذَا الْوَجْهَ إِلَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ، وَالْأَوَّلَ إِلَى سَائِرِ الْأَصْحَابِ. وَالَّذِي ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ هُوَ مَا نَسَبَهُ إِلَى الْقَاضِي، وَاحْتَجُّوا بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ)
[الْمَائِدَةِ: ٣٤] لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ التَّوْبَةِ، وَقَالَ فِي الزِّنَى: (فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا)
[النِّسَاءِ: ١٦] ، وَفِي السَّرِقَةِ: (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ)
[الْمَائِدَةِ: ٣٦] قَالَ الْإِمَامُ: مَعْرِفَةُ إِصْلَاحِ الْعَمَلِ بِأَنْ يُمْتَحَنَ سِرًّا وَعَلَنًا، فَإِنْ بَدَا الصَّلَاحُ، أَسْقَطْنَا الْحَدَّ عَنْهُ، وَإِلَّا حَكَمْنَا بِأَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ، قَالَ الْإِمَامُ: وَهَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى حَقِيقَتِهِ، وَإِنْ خُلِّيَ فَكَيْفَ يُعَرَفُ صَلَاحُهُ؟ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا: إِذَا أَظْهَرَ التَّوْبَةَ، امْتَنَعْنَا مِنْ إِقَامَةِ الْحَدِّ، فَإِنْ لَمْ يُظْهَرْ مَا يُخَالِفُ الصَّلَاحَ، فَذَاكَ، وَإِنْ ظَهَرَ، أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ حَدِّ الزِّنَى فِي مَوْضِعِ الْقَوْلَيْنِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ بِالتَّوْبَةِ طَرِيقَيْنِ، أَحَدُهُمَا: تَخْصِيصُهُمَا بِمَنْ تَابَ قَبْلَ الرَّفْعِ إِلَى الْقَاضِي، فَإِنْ تَابَ بَعْدَ الرَّفْعِ، لَمْ يَسْقُطْ قَطْعًا. وَالثَّانِي: طَرْدُهُمَا فِي الْحَالَيْنِ، وَقَدْ يَرْجِعُ هَذَا الْخِلَافُ إِلَى أَنَّ التَّوْبَةَ بِمُجَرَّدِهَا تُسْقِطُ الْحَدَّ، أَمْ يُعْتَبَرُ الْإِصْلَاحُ؟ إِنِ اعْتَبَرْنَاهُ اشْتُرِطَ مُضِيُّ زَمَنٍ يَظْهَرُ بِهِ الصِّدْقُ، فَلَا تَكْفِي التَّوْبَةُ بَعْدَ الرَّفْعِ.
فَرْعٌ
إِذَا تَابَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ قَتَلَ، سَقَطَ عَنْهُ انْحِتَامُ الْقَتْلِ، فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْتَصَّ، وَلَهُ الْعَفْوُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ يُسْقِطُ الْقِصَاصَ، فَلَا يَبْقَى عَلَيْهِ شَيْءٌ أَصْلًا، وَحُكِيَ وَجْهٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute