للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ الصَّحِيحُ فَلَا ضَمَانَ، كَسَائِرِ الْحُدُودِ، وَإِلَّا فَيَجِبُ؛ لِأَنَّهُ عَدَلَ عَنِ الْجِنْسِ الْوَاجِبِ، وَلَوْ ضُرِبَ أَرْبَعُونَ جَلْدَةً، فَمَاتَ، فَفِي الضَّمَانِ قَوْلَانِ، وَيُقَالُ: وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ بِأَرْبَعِينَ كَانَ بِالِاجْتِهَادِ، وَالْمَشْهُورُ: لَا ضَمَانَ، كَسَائِرِ الْحُدُودِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الشَّارِبَ يُضْرَبُ أَرْبَعِينَ، وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَدَ فِي الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ، فَإِنْ قُلْنَا بِالضَّمَانِ، فَهَلْ يَجِبُ كُلُّ الضَّمَانِ أَمْ نِصْفُهُ، أَمْ يُوَزَّعُ عَلَى التَّفَاوُتِ بَيْنَ أَلَمِ السِّيَاطِ وَالضَّرْبِ بِالنِّعَالِ، وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ، أَصَحُّهَا الْأَوَّلُ، وَإِنْ ضَرَبَهُ أَحَدًا وَأَرْبَعِينَ، فَهَلْ يَجِبُ كُلُّ الضَّمَانِ أَمْ نِصْفُهُ أَمْ جُزْءٌ مِنْ أَحَدٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا؟ فِيهِ أَقْوَالٌ، أَظْهَرُهَا: الثَّالِثُ، وَإِنْ ضُرِبَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَقُلْنَا بِالثَّالِثِ، وَجَبَ جُزْءَانِ مِنَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ، حَتَّى إِذَا ضُرِبَ ثَمَانِينَ اسْتَوَى الْقَوْلُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ، وَوَجَبَ النِّصْفُ، وَلَوْ جُلِدَ فِي الْقَذْفِ أَحَدًا وَثَمَانِينَ، فَمَاتَ، فَهَلْ يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ، أَمْ جُزْءٌ مِنْ أَحَدٍ وَثَمَانِينَ جُزْءًا مِنْهَا؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ، ثُمَّ إِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ مِنَ الْجَلَّادِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ الْإِمَامُ إِلَّا بِالثَمَانِينَ، فَالضَّمَانُ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْجَلَّادِ، وَإِنْ أَمَرَ الْإِمَامُ بِذَلِكَ، فَالضَّمَانُ مُتَعَلِّقٌ بِالْإِمَامِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الْإِمَامُ: اضْرِبْ وَأَنَا أَعِدُّ، فَغَلِطَ فِي الْعَدِّ، فَزَادَ عَلَى الثَمَانِينَ، وَلَوْ أَمَرَ الْإِمَامُ بِثَمَانِينَ فِي الشُّرْبِ، فَزَادَ الْجَلَّادُ جِلْدَةً وَاحِدَةً، وَمَاتَ الْمَجْلُودُ فَأَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، أَصَحُّهَا: تُوَزَّعُ الدِّيَةُ أَحَدٌ وَثَمَانُونَ جُزْءًا، يُسْقَطُ مِنْهَا أَرْبَعُونَ وَيَجِبُ أَرْبَعُونَ عَلَى الْإِمَامِ، وَجُزْءٌ عَلَى الْجَلَّادِ. وَالثَّانِي: يَسْقُطُ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ ثُلُثٌ، وَعَلَى الْجَلَّادِ ثُلُثٌ. وَالثَّالِثُ: يَسْقُطُ نِصْفُهَا، وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ رُبُعٌ، وَعَلَى الْجَلَّادِ رُبُعٌ. وَالرَّابِعُ: يَسْقُطُ نِصْفُهَا، وَيُوَزَّعُ نِصْفُهَا عَلَى أَحَدٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا: أَرْبَعُونَ عَلَى الْإِمَامِ، وَجُزْءٌ عَلَى الْجَلَّادِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>