للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِلَّا لِضَرُورَةٍ، بِأَنْ يَكُونَ فِي الْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ وَفِي الْعَدُوِّ كَثْرَةٌ، وَيَخَافُ مِنَ ابْتِدَائِهِمُ الِاسْتِئْصَالَ، أَوْ لِعُذْرٍ بِأَنْ يَعِزَّ الزَّادُ وَعَلْفُ الدَّوَابِّ فِي الطَّرِيقِ، فَيُؤَخِّرُ إِلَى زَوَالِ ذَلِكَ، أَوْ يَنْتَظِرُ لِحَاقَ مَدَدٍ، أَوْ يَتَوَقَّعُ إِسْلَامَ قَوْمٍ، فَيَسْتَمِيلُهُمْ بِتَرْكِ الْقِتَالِ، هَذَا مَا نَصَرَ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَقَالَ الْإِمَامُ: الْمُخْتَارُ عِنْدِي فِي هَذَا مَسْلَكُ الْأُصُولِيِّينَ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: الْجِهَادُ دَعْوَةٌ قَهْرِيَّةٌ، فَيَجِبُ إِقَامَتُهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا مُسْلِمٌ أَوْ مُسَالِمٌ، وَلَا يَخْتَصُّ بِمَرَّةٍ فِي السَنَةِ، وَلَا يُعَطَّلُ إِذَا أَمْكَنَتِ الزِّيَادَةُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ حَمَلُوهُ عَلَى الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ، وَهِيَ أَنَّ الْأَمْوَالَ وَالْعَدَدَ لَا تَتَأَتَّى لِتَجْهِيزِ الْجُنُودِ فِي السَنَةِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ، ثُمَّ إِنْ تَمَكَّنَ الْإِمَامُ مِنْ بَثِّ الْأَجْنَادِ لِلْجِهَادِ فِي جَمِيعِ الْأَطْرَافِ، فَعَلَ، وَإِلَّا فَيَبْدَأُ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ، وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَرْعَى النِّصْفَةَ بِالْمُنَاوَبَةِ بَيْنَ الْأَجْنَادِ فِي الْإِغْزَاءِ، وَيَسْقُطُ الْوُجُوبُ فِي هَذَا الضَّرْبِ بِأَعْذَارٍ.

مِنْهَا: الصِّغَرُ وَالْجُنُونُ وَالْأُنُوثَةُ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ لِلْمُرَاهِقِينَ وَالنِّسَاءِ فِي الْخُرُوجِ، وَأَنْ يَسْتَصْحِبَهُمْ لِسَقْيِ الْمَاءِ وَمُدَاوَاةِ الْمَرْضَى وَمُعَالَجَةِ الْجَرْحَى، وَلَا يَأْذَنُ لِلْمَجَانِينِ بِحَالٍ، وَلَا جِهَادَ عَلَى الْخُنْثَى.

وَمِنْهَا: الْمَرَضُ، فَلَا جِهَادَ عَلَى مَنْ بِهِ مَرَضٌ يَمْنَعُهُ مِنَ الْقِتَالِ وَالرُّكُوبِ عَلَى دَابَّةٍ، وَلَا عَلَى مَنْ لَا يُمْكِنُهُ الْقِتَالُ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ، وَلَا اعْتِبَارَ بِالصُّدَاعِ وَوَجَعِ الضِّرْسِ وَالْحُمَّى الْخَفِيفَةِ وَنَحْوِهَا.

وَمِنْهَا: الْعَرَجُ، فَلَا جِهَادَ عَلَى مَنْ بِهِ عَرَجٌ بَيِّنٌ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الرُّكُوبِ وَوَجَدَ دَوَابَّ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الْجِهَادُ رَاكِبًا، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَسَوَاءٌ الْعَرَجُ فِي رِجْلٍ أَوْ رِجْلَيْهِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِعَرَجٍ يَسِيرٍ لَا يَمْنَعُ الْمَشْيَ، وَلَا جِهَادَ عَلَى أَشَلِّ الْيَدِ، وَلَا مَنْ فَقَدَ مُعْظَمَ أَصَابِعِهِ بِخِلَافِ فَاقِدِ الْأَقَلِّ.

وَمِنْهَا: الْعَمَى، فَلَا جِهَادَ عَلَى أَعْمَى، وَيَجِبُ عَلَى الْأَعْوَرِ وَالْأَعْشَى

<<  <  ج: ص:  >  >>