للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَسْقُطُ عَنِ الْمُكَلَّفِ لِكَوْنِهِ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ، أَوْ يَعْلَمُ بِالْعَادَةِ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ كَلَامُهُ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَيْسَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ، بَلْ وَاجِبُهُ أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ) قَالُوا: وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ: أَنْ يَرَى مَكْشُوفَ بَعْضِ عَوْرَتِهِ فِي حَمَّامٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْآمِرِ وَالنَّاهِي كَوْنُهُ مُمْتَثِلًا مَا يَأْمُرُ بِهِ، مُجْتَنِبًا مَا يَنْهَى عَنْهُ، بَلْ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَإِنْ أَخَلَّ بِأَحَدِهِمَا، لَمْ يَجُزِ الْإِخْلَالُ بِالْآخَرِ، وَلَا يَخْتَصُّ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ بِأَصْحَابِ الْوِلَايَاتِ وَالْمَرَاتِبِ، بَلْ ذَلِكَ ثَابَتٌ لِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ وَوَاجِبٌ عَلَيْهِمْ، قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ غَيْرَ الْوُلَاةِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ كَانُوا يَأْمُرُونَ الْوُلَاةَ وَيَنْهَوْنَهُمْ مَعَ تَقْرِيرِ الْمُسْلِمِينَ إِيَّاهُمْ وَتَرْكِ تَوْبِيخِهِمْ عَلَى التَّشَاغُلِ بِذَلِكَ بِغَيْرِ وِلَايَةٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ» قَالَ أَصْحَابُنَا: وَإِنَّمَا يَأْمُرُ وَيَنْهَى مَنْ كَانَ عَالِمًا بِمَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْأَشْيَاءِ، فَإِنْ كَانَ مِنَ الْوَاجِبَاتِ الظَّاهِرَةِ، وَالْمُحَرَّمَاتِ الْمَشْهُورَةِ، كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالزِّنَى وَالْخَمْرِ وَنَحْوِهَا، فَكُلُّ الْمُسْلِمِينَ عُلَمَاءُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ دَقَائِقِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالِاجْتِهَادِ، لَمْ يَكُنْ لِلْعَوَامِّ الِابْتِدَاءُ بِإِنْكَارِهِ، بَلْ ذَلِكَ لِلْعُلَمَاءِ، وَيَلْتَحِقُ بِهِمْ مَنْ أَعْلَمَهُ الْعُلَمَاءُ بِأَنَّ ذَلِكَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، ثُمَّ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا يُنْكِرُونَ مَا أُجْمِعَ عَلَى إِنْكَارِهِ، أَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَلَا إِنْكَارَ فِيهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، أَوِ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ وَلَا نَعْلَمُهُ، وَلَا إِثْمَ عَلَى الْمُخْطِئِ، لَكِنْ إِنْ نَدَبَهُ عَلَى جِهَةِ النَّصِيحَةِ إِلَى الْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ، فَهُوَ حَسَنٌ مَحْبُوبٌ، وَيَكُونُ بِرِفْقٍ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ إِذَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ إِخْلَالٌ بِسُنَّةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>