للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثَابِتَةٍ، أَوْ وُقُوعٌ فِي خِلَافٍ آخَرَ، وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ خِلَافًا فِي أَنَّ مَنْ قَلَّدَهُ السُّلْطَانُ الْحِسْبَةَ، هَلْ لَهُ حَمْلُ النَّاسِ عَلَى مَذْهَبِهِ فِيمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ إِذَا كَانَ الْمُحْتَسِبُ مُجْتَهِدًا أَمْ لَيْسَ لَهُ تَغْيِيرُ مَا كَانَ عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِهِ؟ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَغْيِيرُهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَمْ يَزَلِ الْخِلَافُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي الْفُرُوعِ، وَلَا يُنْكِرُ أَحَدٌ عَلَى غَيْرِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ، وَإِنَّمَا يُنْكِرُونَ مَا خَالَفَ نَصًّا، أَوْ إِجْمَاعًا، أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا.

وَأَمَّا صِفَةُ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَمَرَاتِبُهُ، فَضَابِطُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ» فَعَلَيْهِ أَنْ يُغَيِّرَ بِكُلِّ وَجْهٍ أَمْكَنَهُ، وَلَا يَكْفِي الْوَعْظُ لِمَنْ أَمْكَنَهُ إِزَالَتَهُ بِالْيَدِ، وَلَا تَكْفِي كَرَاهَةُ الْقَلْبِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَى النَّهْيِ بِاللِّسَانِ، وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ، صِفَةُ كَسِرِّ الْمَلَاهِي وَجُمْلَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمُنْكَرَاتِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَرْفُقَ فِي التَّغْيِيرِ بِالْجَاهِلِ وَبِالظَّالِمِ الَّذِي يَخَافُ شَرَّهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَدْعَى إِلَى قَبُولِ قَوْلِهِ، وَإِزَالَةِ الْمُنْكَرِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الِاسْتِقْلَالُ، اسْتَعَانَ مَا لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إِلَى إِظْهَارِ سِلَاحٍ وَحَرْبٍ، فَإِنْ عَجَزَ، رَفَعَ ذَلِكَ إِلَى صَاحِبِ الشَّوْكَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي كِتَابِ الصِّيَالِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَكْرَهَهُ بِقَلْبِهِ، قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ: وَلَيْسَ لِلْآمِرِ وَالنَّاهِي الْبَحْثُ وَالتَّنْقِيبُ وَالتَّجَسُّسُ وَاقْتِحَامُ الدُّورِ بِالظُّنُونِ، بَلْ إِنْ رَأَى شَيْئًا غَيَّرَهُ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُحْتَسِبِ أَوْ غَيْرِهِ اسْتِسْرَارُ قَوْمٍ بِالْمُنْكَرِ بِأَمَارَةٍ وَآثَارٍ ظَهَرَتْ، فَذَلِكَ ضَرْبَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِيهِ انْتِهَاكُ حُرْمَةٍ يَفُوتُ تَدَارُكُهَا، بِأَنْ يُخْبِرَهُ مَنْ يَثِقُ بِصِدْقِهِ أَنَّ رَجُلًا خَلَا بِرَجُلٍ لِيَقْتُلَهُ، أَوْ بِامْرَأَةٍ لِيَزْنِيَ بِهَا، فَيَجُوزُ التَّجَسُّسُ وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْكَشْفِ وَالْإِنْكَارِ، وَالثَّانِي: مَا قَصَرَ عَنْ هَذِهِ الرُّتْبَةِ، فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْكَشْفُ وَالتَّجَسُّسُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>