الرَّسُولَ أَنْ يَبَلِّغَهُ، فَإِنَّهُ أَمَانَةٌ وَيَجِبُ أَدَاءُ الْأَمَانَةِ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُرْسَلَ إِلَيْهِ رَدُّ السَّلَامِ عَلَى الْفَوْرِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْمُبْلِغِ أَيْضًا، فَيَقُولُ: وَعَلَيْهِ وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهُ وَبَرَكَاتُهُ، وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى إِنْسَانٍ، ثُمَّ لَقِيَهُ عَلَى قُرْبٍ، فَالسُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَأَكْثَرَ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ بِالسَّلَامِ قَبْلَ كُلِّ كَلَامٍ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَعَمَلُ الْأُمَّةِ عَلَى وَفْقِ ذَلِكَ مَشْهُورٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ السَّلَامِ قَبْلَ الْكَلَامِ فَضَعِيفٌ، وَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَلَاقِينَ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى الِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ لِلْحَدِيثِ الْحَسَنِ: «أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ تَعَالَى مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ» وَلَوْ مَشَى فِي سُوقٍ، أَوْ شَارِعٍ يَطْرُقُ كَثِيرًا، وَنَحْوُهُ مِمَّا يَكْثُرُ فِيهِ الْمُتَلَاقَوْنَ، قَالَ صَاحِبُ «الْحَاوِي» : إِنَّمَا يُسَلِّمُ هُنَا عَلَى بَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ عَلَى الْجَمِيعِ، تَعَطَّلَ عَنْ كُلِّ مُهِمٍّ، وَخَرَجَ بِهِ عَنِ الْعُرْفِ، قَالَ: وَلَوْ دَخَلَ عَلَى جَمَاعَةٍ قَلِيلَةٍ يَعُمُّهُمْ سَلَامٌ، اقْتَصَرَ عَلَى سَلَامٍ وَاحِدٍ عَلَيْهِمْ، وَمَا زَادَ مِنْ تَخْصِيصِ بَعْضِهِمْ، فَهُوَ أَدَبٌ، وَيَكْفِي أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمْ، فَإِنْ زَادُوا، فَأَفْضَلُ، فَإِنْ كَانُوا جَمِيعًا لَا يَنْتَشِرُ فِيهِمْ سَلَامٌ وَاحِدٌ، كَالْجَامِعِ وَالْمَجْلِسِ الْحَفْلِ، فَسُنَّةُ السَّلَامِ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ إِذَا شَاهَدَهُمْ، وَيَكُونُ مُؤَدِّيًا سُنَّةَ السَّلَامِ فِي حَقِّ مَنْ سَمِعَهُ، وَيَدْخُلُ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ فِي الرَّدِّ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ، فَإِنْ جَلَسَ فِيهِمْ، سَقَطَ عَنْهُ سُنَّةُ السَّلَامِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ، وَإِنْ أَرَادَ الْجُلُوسَ فِيمَنْ بَعْدَهُمْ مِمَّنْ لَمْ يَسْمَعْهُ فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ سُنَّةَ السَّلَامِ حَصَلَتْ بِالسَّلَامِ عَلَى أَوَّلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ أَعَادَ السَّلَامَ عَلَيْهِمْ، كَانَ أَدَبًا، وَالثَّانِي: أَنَّهَا بَاقِيَةٌ لَمْ تَحْصُلْ، قَالَ: فَعَلَى الْأَوَّلِ يَسْقُطُ فَرْضُ الرَّدِّ عَنِ الْأَوَّلِينَ بَرْدِ وَاحِدٍ مِنَ الْآخِرِينَ، وَعَلَى الثَّانِي لَا يَسْقُطُ، وَلَعَلَّ الثَّانِي أَصَحُّ، وَلَا يَتْرُكُ السَّلَامَ لِكَوْنِهِ يَغْلُبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْمُسَلَّمَ عَلَيْهِ لَا يَرُدُّ.
قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَأَمَّا التَّحِيَّةُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنَ الْحَمَّامِ بِقَوْلِ: طَابَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute