وَأَمَّا الْقِيَامُ، فَالَّذِي نَخْتَارُهُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِمَنْ فِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ مِنْ عِلْمٍ أَوْ صَلَاحٍ أَوْ وِلَادَةٍ أَوْ وِلَايَةٍ مَصْحُوبَةٍ بِصِيَانَةٍ، وَيَكُونُ عَلَى جِهَةِ الْبِرِّ وَالْإِكْرَامِ لَا لِلرِّيَاءِ وَالْإِعْظَامِ، وَعَلَى هَذَا اسْتَمَرَّ عَمَلُ الْجُمْهُورِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ، وَقَدْ جَمَعْتُ جُزْءًا فِي ذَلِكَ ضَمَّنْتُهُ أَحَادِيثَ صَحِيحَةً وَآثَارًا وَأَفْعَالَ السَّلَفِ وَأَقْوَالَهُمُ الدَّالَّةَ لِمَا ذَكَرْتُهُ، وَأَجَبْتُ عَمَّا خَالَفَهَا، وَأَمَّا الدَّاخِلُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُحِبَّ قِيَامَهُمْ لَهُ، فَفِي الْحَدِيثِ الْحَسَنِ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَمْثُلَ لَهُ النَّاسُ قِيَامًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي التَّحْرِيمِ، وَقَدْ رُوِيَ بِأَلْفَاظٍ أَوْضَحْتُهَا مَعَ مَعْنَاهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي جُزْءِ التَّرْخِيصِ فِي الْقِيَامِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَا يُمْنَعُ الذِّمِّيُّ مِنْ تَعْظِيمِ الْمُسَلِّمِ بِهَا، فَلَا نُوَافِقُ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا تَقْبِيلُ الْيَدِ، فَإِنْ كَانَ لِزُهْدِ صَاحِبِ الْيَدِ وَصَلَاحِهِ، أَوْ عِلْمِهِ أَوْ شَرَفِهِ وَصِيَانَتِهِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ، فَمُسْتَحَبٌّ، وَإِنْ كَانَ لِدُنْيَاهُ وَثَرْوَتِهِ وَشَوْكَتِهِ وَوَجَاهَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَمَكْرُوهٌ شَدِيدُ الْكَرَاهَةِ، وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: لَا يَجُوزُ، وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ، وَأَمَّا تَقْبِيلُهُ خَدَّ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَبِنْتِهِ الصَّغِيرَةِ وَسَائِرَ أَطْرَافِهِ عَلَى وَجْهِ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ وَاللُّطْفِ وَمَحَبَّةِ الْقَرَابَةِ، فَسُنَّةٌ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِيهِ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ، وَكَذَا قُبْلَةُ وَلَدِ صَدِيقِهِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَطْفَالِ الَّذِينَ لَا يَشْتَهُونَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَأَمَّا التَّقْبِيلُ بِشَهْوَةٍ فَحَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْوَالِدُ وَغَيْرُهُ، بَلِ النَّظَرُ إِلَيْهِ بِالشَّهْوَةِ حَرَامٌ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَالْقَرِيبِ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ وَجْهِ الْمَيِّتِ الصَّالِحِ لِلتَّبَرُّكِ.
وَسُنَّ تَقْبِيلُ وَجْهِ صَاحِبِهِ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ وَنَحْوِهِ، وَمُعَانَقَتُهُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِيهِمَا، وَأَمَّا الْمُعَانَقَةُ وَتَقْبِيلُ الْوَجْهِ لِغَيْرِ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ وَنَحْوِهِ، فَمَكْرُوهَانِ، صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute