وَلَوْ تَتَرَّسَ الْكُفَّارُ بِذِمِّيٍّ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ أَوْ عَبْدٍ، فَالْحُكْمُ فِي جَوَازِ الرَّمْيِ وَالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ كَمَا ذَكَرْنَا، لَكِنْ حَيْثُ تَجِبُ دِيَةٌ، يَجِبُ فِي الْعَبْدِ قِيمَتُهُ، وَفِي «التَّهْذِيبِ» أَنَّهُ لَوْ تَتَرَّسَ كَافِرٌ بِتِرْسِ مُسْلِمٍ، أَوْ رَكِبَ فَرَسَهُ، فَرَمَاهُ مُسْلِمٌ فَأَتْلَفَهُ، فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْتِحَامٍ، أَوْ فِي الْتِحَامٍ وَأَمْكَنَهُ أَنْ يَتَوَقَّى التِّرْسَ وَالْفَرَسَ، ضَمِنَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فِي الِالْتِحَامِ الدَّفْعُ إِلَّا بِإِصَابَتِهِ، فَإِنْ جَعَلْنَاهُ كَالْمُكْرَهِ، لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ فِي الْمَالِ يَكُونُ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ، وَهُنَا لَا ضَمَانَ عَلَى الْحَرْبِيِّ حَتَّى يَجْعَلَ الْمُسْلِمَ طَرِيقًا، وَإِنْ جَعَلْنَاهُ مُخْتَارًا، لَزِمَهُ الضَّمَانُ.
الْعَاشِرَةُ: فِي حُكْمِ الْهَزِيمَةِ، إِذَا الْتَقَى الصَّفَّانِ، قَدْ أَطْلَقَ الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ إِنْ كَانَ فِي انْهِزَامِهِ كَسْرُ الْمُسْلِمِينَ، لَمْ يَجُزِ الِانْهِزَامُ بِحَالٍ، وَإِلَّا فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -. وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْجُمْهُورُ لِذَلِكَ بَلْ قَالُوا: إِذَا الْتَقَى الصَّفَّانِ، فَلَهُ حَالَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَزِيدَ عَدَدُ الْكُفَّارِ عَلَى ضِعْفِ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ كَانُوا مِثْلَيِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَقَلَّ، فَتَحْرُمُ الْهَزِيمَةُ وَالِانْصِرَافُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ، أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ، فَالْمُتَحَرِّفُ: مَنْ يَنْصَرِفُ لِيَكْمُنَ فِي مَوْضِعٍ، وَيَهْجُمُ، أَوْ يَكُونُ فِي مَضِيقٍ، فَيَنْصَرِفُ لِيَتْبَعَهُ الْعَدُوُّ إِلَى مُتَّسَعٍ سَهْلٍ لِلْقِتَالِ، أَوْ يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِي التَّحَوُّلِ إِلَى مَضِيقٍ، أَوْ يَتَحَوَّلُ مِنْ مُقَابَلَةِ الشَّمْسِ وَالرِّيحِ إِلَى مَوْضِعٍ يَسْهُلُ عَلَيْهِ الْقِتَالُ. وَالْمُتَحَيِّزُ إِلَى فِئَةٍ: مَنْ يَنْصَرِفُ عَلَى قَصْدِ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى طَائِفَةٍ يَسْتَنْجِدُ بِهَا فِي الْقِتَالِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ الطَّائِفَةُ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً، قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ قُرْبُهَا، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَعَلَى هَذَا هَلْ يَلْزَمُهُ تَحْقِيقُ عَزْمِهِ بِالْقِتَالِ مَعَ الْفِئَةِ الْمُتَحَيِّزِ إِلَيْهَا؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: لَا؛ لِأَنَّ الْعَزْمَ مُرَخَّصٌ، فَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْجِهَادُ لَا يَجِبْ قَضَاؤُهُ، وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ، أَنَّ التَّحَيُّزَ إِنَّمَا يَجُوزُ إِذَا اسْتَشْعَرَ الْمُتَحَيِّزُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute