عَجْزًا مُحْوِجًا إِلَى الِاسْتِنْجَادِ لِضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَعَلَّ مَا حَكَيْنَاهُ عَنِ الْغَزَالِيِّ أَخَذَهُ مِنْ هَذَا، وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْأَصْحَابُ مَا ذَكَرَاهُ وَكَأَنَّهُمْ رَأَوْا تَرْكَ الْقِتَالِ وَالِانْهِزَامَ فِي الْحَالِ مَجْبُورًا بِعَزْمِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ التَّحَرُّفِ وَالتَّحَيُّزِ يَتَضَمَّنُ الْعَزْمَ عَلَى الْعَوْدِ إِلَى الْقِتَالِ، وَالرُّخْصَةُ مَنُوطَةٌ بِعَزْمِهِ، وَلَا يُمْكِنُ مُخَادَعَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعَزْمِ، هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَحْرِيمِ الْهَزِيمَةِ إِلَّا لِمُتَحَرِّفٍ أَوْ مُتَحَيِّزٍ هُوَ فِي حَالِ الْقُدْرَةِ، أَمَّا مَنْ عَجَزَ بِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ سِلَاحٌ، فَلَهُ الِانْصِرَافُ بِكُلِّ حَالٍ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَلِّيَ مُتَحَرِّفًا أَوْ مُتَحَيِّزًا، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الرَّمْيُ بِالْأَحْجَارِ، فَهَلْ تَقُومُ مَقَامَ السِّلَاحِ؟ وَجْهَانِ.
قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا: تَقُومُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ مَاتَ فَرَسُهُ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ رَاجِلًا، فَلَهُ الِانْصِرَافُ، وَمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ قُتِلَ، هَلْ لَهُ الِانْصِرَافُ؟ وَجْهَانِ، الصَّحِيحُ: الْمَنْعُ. ثُمَّ الْمُتَحَيِّزُ إِلَى فِئَةٍ بَعِيدَةٍ لَا يُشَارِكُ الْجَيْشَ فِيمَا يَغْنَمُونَهُ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ، وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ مِمَّا غَنِمُوهُ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ، هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَبِمِثْلِهِ أَجَابَ فِي الْمُتَحَرِّفِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ بِأَنَّ الْمُتَحَرِّفَ يُشَارِكُ، وَلَعَلَّهُ فِيمَنْ لَمْ يَبْعُدْ، وَلَمْ يَغِبْ، وَالنَّصُّ فِيمَا إِذَا تَحَرَّفَ، ثُمَّ انْقَطَعَ عَنِ الْقَوْمِ قَبْلَ أَنْ يَغْنَمُوا، وَهَلْ يُشَارِكُ الْمُتَحَيِّزُ إِلَى فِئَةٍ قَرِيبَةٍ فِيمَا غَنِمُوهُ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، لِبَقَاءِ نُصْرَتِهِ وَالِاسْتِنْجَادِ بِهِ، فَهُوَ كَالسَّرِيَّةِ الْقَرِيبَةِ تُشَارِكُ الْجَيْشَ فِيمَا غَنِمَهُ.
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا زَادَ عَدَدُ الْكُفَّارِ عَلَى مِثْلَيِ الْمُسْلِمِينَ، جَازَ الِانْهِزَامُ، وَهَلْ يَجُوزُ انْهِزَامُ مِائَةٍ مِنْ أَبْطَالِنَا مِنْ مِائَتَيْنِ، وَوَاحِدٍ مِنْ ضُعَفَاءِ الْكُفَّارِ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: لَا؛ لِأَنَّهُمْ يُقَاوِمُونَهُمْ لَوْ ثَبَتُوا، وَإِنَّمَا يُرَاعَى الْعَدَدُ عِنْدَ تَقَارُبِ الْأَوْصَافِ. وَالثَّانِي: نَعَمْ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute