قُلْتُ: الْأَصَحُّ: الِاسْتِئْنَافُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: الذُّكُورَةُ، فَلَا جِزْيَةَ عَلَى امْرَأَةٍ وَخُنْثَى، فَإِنْ بَانَتْ ذُكُورَتُهُ، فَهَلْ تُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةُ السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ؟ وَجْهَانِ.
قُلْتُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَصَحُّ الْأَخْذَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ جَاءَتْنَا امْرَأَةٌ حَرْبِيَّةٌ، فَطَلَبَتْ عَقْدَ الذِّمَّةِ بِجِزْيَةٍ، أَوْ بَعَثَتْ بِذَلِكَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، أَعْلَمَهَا الْإِمَامُ أَنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهَا، فَإِنْ رَغِبَتْ مَعَ ذَلِكَ فِي الْبَذْلِ، فَهَذِهِ هِبَةٌ لَا تَلْزَمُ إِلَّا بِالْقَبْضِ، وَإِنْ طَلَبَتِ الذِّمَّةَ بِلَا جِزْيَةٍ، أَجَابَهَا الْإِمَامُ، وَشَرَطَ عَلَيْهَا الْتِزَامَ الْأَحْكَامِ. وَلَوْ حَاصَرْنَا قَلْعَةً، فَأَرَادُوا الصُّلْحَ عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ عَنِ النِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ، لَمْ يُجَابُوا، فَإِنْ صُولِحُوا عَلَيْهِ، فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِلَّا النِّسَاءُ فَطَلَبْنَ عَقْدَ الذِّمَّةِ بِالْجِزْيَةِ، فَقَوْلَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي «الْأُمِّ» أَحَدُهُمَا: يَعْقِدُ لَهُنَّ، لِأَنَّهُنَّ يَحْتَجْنَ إِلَى صِيَانَةِ أَنْفُسِهِنَّ عَنِ الرِّقِّ، كَمَا يَحْتَاجُ الرِّجَالُ لِلصِّيَانَةِ عَنِ الْقَتْلِ، فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ عَلَيْهِنَّ أَنْ تُجْرَى عَلَيْهِنَّ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ، وَلَا يُسْتَرْقَقْنَ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ، وَإِنْ أَخَذَ الْإِمَامُ مَالًا، رَدَّهُ، لِأَنَّهُنَّ دَفَعْنَهُ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّهُ وَاجِبٌ، فَإِنْ دَفَعْنَهُ عَلَى عِلْمٍ، فَهُوَ هِبَةٌ، وَالْحُكْمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي حَرْبِيَّةٍ بَعَثَتْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ تَطْلُبُ الذِّمَّةَ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا تُعْقَدُ لَهُنَّ، وَيَتَوَصَّلُ الْإِمَامُ إِلَى الْفَتْحِ بِمَا أَمْكَنَهُ، وَإِنْ عَقَدَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُنَّ حَتَّى يَرْجِعْنَ إِلَى الْقَلْعَةِ، فَإِذَا فَتَحَهَا، سَبَاهُنَّ، لِأَنَّ الْجِزْيَةَ تُؤْخَذُ لِقَطْعِ الْحَرْبِ، وَلَا حَرْبَ فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَلِأَنَّهُنَّ قَدْ قَرَّبْنَ مِنْ مَصِيرِهِنَّ غَنِيمَةً فَلَا يُعْرِضُ عَنْهُنَّ بَعْدَ تَحَمُّلِ التَّعَبِ وَالْمُؤْنَةِ، وَالْقَوْلَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُنَّ جِزْيَةٌ، وَلَا يُوجَدُ أَحَدُ إِلْزَامٍ، هَذَا مَا نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِمْ، وَشَذَّ عَنْهُمُ الْإِمَامُ فَنَقَلَ فِي الْخِلَافِ وَجْهَيْنِ وَجَعَلَهُمَا فِي أَنَّهُ هَلْ يَلْزَمُ قَبُولُ الْجِزْيَةِ وَتُرْكُ إِرْقَاقِهِنَّ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute