فَهَلْ تُؤْخَذُ مِنْهُ؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيُّ، وَلِيَكُونَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَكْتَفِي بِعَقْدِ أَبِيهِ أَمْ يَسْتَأْنِفُ؟ إِنِ اكْتَفَيْنَا، أَخْذنَا، وَإِلَّا فَهُوَ كَسَفِيهٍ جَاءَ يَطْلُبُ عَقْدَ الذِّمَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُجَابُ وَلَا يُشْتَرَطُ إِذْنُ وَلَيِّهِ، لِأَنَّ فِيهِ مُصْلِحَةَ حَقْنِ الدَّمِ، لَكِنْ لَوِ الْتَزَمَ أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ، قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنِ الْوَلِيُّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَهْدَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوِلَايَةِ، حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْهُ، وَلَمْ يَرْتَضِهِ، وَقَالَ: الْحَقْنُ مُمْكِنٌ بِدِينَارٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ بَذْلِ الزِّيَادَةِ، وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ نَحْوَهُ، وَفِي «التَّهْذِيبِ» الْجَزْمُ بِأَنَّهُ لَا تُؤْخَذُ الزِّيَادَةُ وَإِنْ أَذِنَ الْوَلِيُّ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: يَصِحُّ عَقْدُ السَّفِيهِ بِالزِّيَادَةِ لِحَقْنِ الدَّمِ تَشْبِيهًا بِمَا إِذَا كَانَ عَلَى السَّفِيهِ قِصَاصٌ، وَصَالَحَ الْمُسْتَحِقَّ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ قَدْرِ الدِّيَةِ، لَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ مَنْعُهُ، وَزَادَ فَقَالَ: لِلْوَلِيِّ أَنْ يَعْقِدَ لَهُ بِالزِّيَادَةِ، وَلَيْسَ لِلسَّفِيهِ الْمَنْعُ، كَمَا يَشْتَرِي لَهُ الطَّعَامَ بِثَمَنٍ غَالٍ صِيَانَةً لِرُوحِهِ، وَفِرَّقَ الْإِمَامُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْجِزْيَةِ وَقَالَ: صِيَانَةُ الرُّوحِ لَا تَحْصُلُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ إِلَّا بِالزِّيَادَةِ، وَهُنَا بِخِلَافِهِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَقْدُ السَّفِيهِ وَالْوَلِيِّ بِالزِّيَادَةِ، وَإِذَا اخْتَارَ السَّفِيهُ الِالْتِحَاقَ، وَاخْتَارَ الْوَلِيُّ عَقْدَ الذِّمَّةِ، فَالْمُتَّبَعُ اخْتِيَارُ السَّفِيهِ، ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: الْحَرِيَّةُ، فَلَا جِزْيَةَ عَلَى عَبْدٍ وَلَا عَلَى سَيِّدِهِ بِسَبَبِهِ، وَمَنْ بَعْضُهُ رَقِيقٌ كَالْعَبْدِ، وَقِيلَ: يَجِبُ مِنَ الْجِزْيَةِ بِقِسْطِ حُرِّيَّتِهِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْتُولٍ بِالْكُفْرِ، كَمَنْ تَمَحَّضَ رِقُّهُ، وَإِذَا أُعْتِقَ الْعَبْدُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ مَنْ لَا يُقِرُّ بِالْجِزْيَةِ، فَلْيُسْلِمْ، وَإِلَّا فَلْيُبَلَّغِ الْمَأْمَنَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُقِرُّ، فَلْيُسْلِمْ أَوْ لِيَبْذُلِ الْجِزْيَةَ، وَإِلَّا فَلْيُبَلَّغِ الْمَأْمَنَ، سَوَاءً أَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ ذِمِّيٌّ، فَهَلْ تُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةُ سَيِّدِهِ أَمْ جِزْيَةُ عُصْبَتِهِ، لِأَنَّهُمْ أَخَصُّ بِهِ، أَمْ يُسْتَأْنَفُ لَهُ عَقْدٌ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute