فَرْعٌ
الْغَرِيبُ إِذَا قَامَ بِبَلَدٍ، وَاتَّخَذَهُ وَطَنًا، صَارَ لَهُ حُكْمُ أَهْلِهِ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَانْعِقَادِهَا بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذْهُ وَطَنًا، بَلْ عَزْمُهُ الرُّجُوعُ إِلَى بَلَدِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ - يَخْرُجُ بِهَا مِنْ كَوْنِهِ مُسَافِرًا - قَصِيرَةٍ، أَوْ طَوِيلَةٍ، كَالتَّاجِرِ، وَالْمُتَفَقِّهِ، لَزِمَهُ الْجُمُعَةُ، وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ.
الْقَرْيَةُ إِذَا كَانَ فِيهَا أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ، لَزِمَهُمُ الْجُمُعَةُ. فَإِنْ أَقَامُوهَا فِي قَرْيَتِهِمْ، فَذَاكَ. وَإِنْ دَخَلُوا الْمِصْرَ فَصَلَّوْهَا فِيهِ، سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُمْ، وَكَانُوا مُسِيئِينَ، لِتَعْطِيلِهِمُ الْجُمُعَةَ فِي قَرْيَتِهِمْ. وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّهُمْ غَيْرُ مُسِيئِينَ، لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُجَوِّزُ جُمُعَةً فِي قَرْيَةٍ، فَفِيمَا فَعَلُوهُ، خُرُوجٌ مِنَ الْخِلَافِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ، فَلَهُمْ حَالَانِ. أَحَدُهُمَا: يَبْلُغُهُمُ النِّدَاءُ مِنْ مَوْضِعٍ تُقَامُ فِيهِ جُمُعَةٌ مِنْ بَلَدٍ، أَوْ قَرْيَةٍ، فَتَجِبُ عَلَيْهِمُ الْجُمُعَةُ. وَالْمُعْتَبَرُ نِدَاءُ مُؤَذِّنٍ عَالِي الصَّوْتِ يَقِفُ عَلَى طَرَفِ الْبَلَدِ مِنَ الْجَانِبِ الَّذِي يَلِي تِلْكَ الْقَرْيَةَ، وَيُؤَذِّنُ عَلَى عَادَتِهِ، وَالْأَصْوَاتُ هَادِئَةٌ، وَالرِّيَاحُ رَاكِدَةٌ. فَإِذَا سَمِعَ صَوْتَهُ مِنَ الْقَرْيَةِ مَنْ أَصْغَى إِلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ أَصَمَّ، وَلَا جَاوَزَ سَمْعُهُ حَدَّ الْعَادَةِ، وَجَبَتِ الْجُمُعَةُ عَلَى أَهْلِهَا.
وَفِي وَجْهٍ: الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَقِفَ الْمُؤَذِّنُ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ، وَوَجْهٌ يَقِفُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ. وَهَلْ يُعْتَبَرُ أَنْ يَقِفَ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ كَمَنَارَةٍ أَوْ سُورٍ؟ وَجْهَانِ. قَالَ الْأَكْثَرُونَ: لَا يُعْتَبَرُ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: سَمِعْتُ شُيُوخَنَا يَقُولُونَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute