لَا يُعْتَبَرُ إِلَّا بِطَبَرِسْتَانَ، فَإِنَّهَا بَيْنَ أَشْجَارٍ وَغِيَاضٍ تَمْنَعُ بُلُوغَ الصَّوْتِ. أَمَّا إِذَا كَانَتْ قَرْيَةً عَلَى قُلَّةِ جَبَلٍ يَسْمَعُ أَهْلُهَا النِّدَاءَ لِعُلُوِّهَا، بِحَيْثُ لَوْ كَانَتْ عَلَى اسْتِوَاءِ الْأَرْضِ لَمَا سَمِعُوا، أَوْ كَانَتْ قَرْيَةً فِي وَهْدَةٍ مِنَ الْأَرْضِ لَا يَسْمَعُ أَهْلُهَا النِّدَاءَ لِانْخِفَاضِهَا، بِحَيْثُ لَوْ كَانَتْ عَلَى اسْتِوَاءٍ لَسَمِعُوا، فَوَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: لَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَتَجِبُ فِي الثَّانِيَةِ، اعْتِبَارًا بِتَقْدِيرِ الِاسْتِوَاءِ. وَالثَّانِي: وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: عَكْسُهُ، اعْتِبَارًا بِنَفْسِ السَّمَاعِ. أَمَّا إِذَا لَمْ يَبْلُغِ النِّدَاءُ أَهْلَ الْقَرْيَةِ، فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ. وَأَمَّا أَهْلُ الْخِيَامِ إِذَا لَزِمُوا مَوْضِعًا، وَلَمْ يُفَارِقُوهُ، وَقُلْنَا: لَا يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ مَوْضِعَهُمْ، فَهُمْ كَأَهْلِ الْقُرَى. وَإِذَا لَمْ يَبْلُغُوا أَرْبَعِينَ، إِنْ سَمِعُوا النِّدَاءَ، لَزِمَتْهُمُ الْجُمُعَةُ، وَإِلَّا فَلَا.
قُلْتُ: وَإِذَا سَمِعَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ النَّاقِصُونَ عَنِ الْأَرْبَعِينَ النِّدَاءَ مِنْ بَلَدَيْنِ، فَأَيُّهُمَا حَضَرُوا جَازَ، وَالْأَوْلَى حُضُورُ أَكْثَرِهِمَا جَمَاعَةً. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
فَرْعٌ
الْعُذْرُ الْمُبِيحُ تَرْكَ الْجُمُعَةِ يُبِيحُهُ وَإِنْ طَرَأَ بَعْدَ الزَّوَالِ، إِلَّا السَّفَرُ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ إِنْشَاؤُهُ بَعْدَ الزَّوَالِ. وَهَلْ يَجُوزُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلَ الزَّوَالِ؟ قَوْلَانِ. قَالَ فِي الْقَدِيمِ وَحَرْمَلَةُ: يَجُوزُ. وَفِي الْجَدِيدِ: لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ. وَقِيلَ: يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا. هَذَا فِي السَّفَرِ الْمُبَاحِ. أَمَّا الطَّاعَةُ وَاجِبًا كَانَ كَالْحَجِّ، أَوْ مَنْدُوبًا، فَلَا يَجُوزُ بَعْدَ الزَّوَالِ، وَأَمَّا قَبْلَهُ، فَقَطَعَ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا بِجَوَازِهِ. وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ، أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ كَالْمُبَاحِ. وَحَيْثُ قُلْنَا: يَحْرُمُ، فَلَهُ شَرْطَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَنْقَطِعَ عَنِ الرُّفْقَةِ، وَلَا يَنَالُهُ ضَرَرٌ فِي تَخَلُّفِهِ لِلْجُمُعَةِ. فَإِنِ انْقَطَعَ، وَفَاتَ سَفَرُهُ بِذَلِكَ، أَوْ نَالَهُ ضَرَرٌ، فَلَهُ الْخُرُوجُ بَعْدَ الزَّوَالِ بِلَا خِلَافٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute