فَرْعٌ
هِجْرَانُ الْمُسْلِمِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَلَوْ كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ، فَهَلْ يَزُولُ الْإِثْمُ؟ نُظِرَ إِنْ كَانَتْ مُوَاصَلَتُهُمَا قَبْلَ الْهُجْرَانِ بِالْمُكَاتَبَةِ أَوِ الْمُرَاسَلَةِ، ارْتَفَعَ الْإِثْمُ، وَإِلَّا فَإِنْ تَعَذَّرَ الْكَلَامُ لِغَيْبَةِ أَحَدِهِمَا، فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا، فَوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ، حَتَّى لَوْ حَلَفَ أَنْ يُهَاجِرَهُ، فَهَلْ يَحْنَثُ بِالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ؟ فِيهِ هَذَا الْخِلَافُ. وَأَطْلَقَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَرْتَفِعُ الْإِثْمُ بِالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ إِنَّمَا تَرْفَعَ الْإِثْمَ إِذَا خَلَتْ عَنِ الْإِيذَاءِ وَالْإِيحَاشِ، وَإِلَّا، فَهُوَ كَمَا لَوْ كَلَّمَهُ بِالشَّتْمِ وَالْإِيذَاءِ، فَإِنَّهُ لَا تَزُولُ بِهِ الْمُهَاجَرَةُ، بَلْ هُوَ زِيَادَةُ وَحْشَةٍ، وَتَأْكِيدٌ لِلْمُهَاجَرَةِ، وَلَا يَحْنَثُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمُكَاتَبَةِ إِذَا حَلَفَ عَلَى الْمُهَاجَرَةِ.
قُلْتُ: تَحْرِيمُ الْمُهَاجَرَةِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذَا كَانَتِ الْمُهَاجَرَةُ لِحُظُوظِ النُّفُوسِ وَتَعَنُّتَاتِ أَهْلِ الدُّنْيَا، فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمَهْجُورُ مُبْتَدِعًا أَوْ مُجَاهِرًا بِالظُّلْمِ وَالْفُسُوقِ، فَلَا تَحْرُمُ مُهَاجَرَتُهُ أَبَدًا، وَكَذَا إِذَا كَانَ فِي الْمُهَاجَرَةِ مَصْلَحَةٌ دِينِيَّةٌ، فَلَا تَحْرِيمَ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا جَرَى لِلسَّلَفِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَزُولُ التَّحْرِيمُ بِالْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرَاسَلَةِ، قَالَ صَاحِبُ «الْبَيَانِ» : وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ وَالرَّمْزُ كَالْمُكَاتَبَةِ كَمَا قُلْنَا فِي الْحِنْثِ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
حَلَفَ: لَا يُكَلِّمُهُ، ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِ، حَنِثَ، لِأَنَّ السَّلَامَ كَلَامٌ، وَأَنْ يُسَلِّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ، فَإِنْ قَصَدَهُ بِالسَّلَامِ حَنِثَ. قَالَ فِي «الْبَيَانِ» وَيَجِيءُ أَنْ لَا يَحْنَثُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ السَّمْنَ، فَأَكَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ، لَا يَحْنَثُ وَإِنْ اسْتَثْنَى لَفْظًا، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ اسْتَثْنَاهُ بِالنِّيَّةِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute