وَمِنْ آدَابِ الْمُسْتَفْتِي أَنْ لَا يَسْأَلَ الْمُفْتِيَ وَهُوَ قَائِمٌ أَوْ مَشْغُولٌ بِمَا يَمْنَعُهُ مِنْ تَمَامِ الْفِكْرِ، وَأَنْ لَا يَقُولَ إِذَا أَجَابَهُ: هَكَذَا قُلْتُ أَنَا، وَأَنْ لَا يُطَالِبَ بِالدَّلِيلِ، فَإِنْ أَرَادَ مَعْرِفَتَهُ، سَأَلَ عَنْهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ. وَإِذَا سَأَلَ فِي رُقْعَةٍ، فَلْيَكُنْ كَاتِبُهَا حَاذِقًا، لِيُبَيِّنَ مَوَاضِعَ السُّؤَالِ، وَيُنْقِطَ مَوَاضِعَ الِاشْتِبَاهِ، وَلْيَتَأَمَّلِ الْمُفْتِي الرُّقْعَةَ كَلِمَةً كَلِمَةً، وَلْيَكُنِ اعْتِنَاؤُهُ بِآخِرِ الْكَلَامِ أَشَدَّ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ السُّؤَالِ، وَلْيَتَثَبَّتْ فِي الْجَوَابِ وَإِنْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً، وَأَنْ يُشَاوِرَ مَنْ فِي مَجْلِسِهِ مِمَّنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَا لَا يَحْسُنُ إِظْهَارُهُ.
وَلَهُ أَنْ يُنْقِطَ مِنَ الرُّقْعَةِ مَوَاضِعَ الْإِشْكَالِ، وَأَنْ يُصْلِحَ مَا فِيهَا مِنْ خَطَأٍ وَلَحْنٍ فَاحِشٍ، وَإِذَا رَأَى فِي آخِرِ بَعْضِ السُّطُورِ بَيَاضًا، شَغَلَهُ بِخَطِّهِ، لِئَلَّا يُلْحَقَ فِيهِ بَعْدَ جَوَابِهِ شَيْءٌ، وَلْيُبَيِّنِ الْمُفْتِي بِخَطِّهِ، وَلْيَكُنْ قَلَمُهُ بَيْنَ قَلَمَيْنِ. وَلَوْ كَتَبَ مَعَ الْجَوَابِ حُجَّةً مِنْ آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ فَلَا بَأْسَ، وَلَا يَعْتَادُ ذِكْرَ الْقِيَاسِ، وَطُرُقِ الِاجْتِهَادِ.
فَإِنْ تَعَلَّقَتِ الْفَتْوَى بِقَاضٍ، فَحَسَنٌ أَنْ يُومِئَ إِلَى الطَّرِيقِ لِلِاجْتِهَادِ، وَإِذَا رَأَى فِي الْفَتْوَى جَوَابَ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى، لَمْ يُفْتِ مَعَهُ. قَالَ الصَّيْمَرِيُّ: وَلَهُ أَنْ يَضْرِبَ عَلَيْهِ بِإِذْنِ صَاحِبِ الرُّقْعَةِ وَبِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَلَا يَحْبِسُهَا إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَاسْتَحَبُّوا أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ بِخَطِّ غَيْرِ الْمُفْتِي.
فَرْعٌ
مَتَّى تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ الْمُجْتَهِدِ، دَارَ الْمُقَلِّدُ مَعَهُ، وَعَمِلَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِقَوْلِهِ الثَّانِي، وَلَا يَنْقُضُ مَا مَضَى، وَلَوْ نَكَحَ الْمُجْتَهِدُ امْرَأَةً، ثُمَّ خَالَعَهَا ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ رَأَى الْخُلْعَ فَسْخًا، ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ قَالَ الْغَزَالِيُّ: يَلْزَمُهُ مُفَارَقَتُهَا، وَأَبْدَى تَرَدُّدًا فِيمَا لَوْ فَعَلَ الْمُقَلِّدُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ مُقَلِّدِهِ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْجَوَابَ كَذَلِكَ، كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ الْمُقَلِّدِ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ يَتَحَوَّلُ. وَلَوْ قَالَ مُجْتَهِدٌ لِلْمُقَلِّدِ وَالصُّورَةُ هَذِهِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute