أَخْطَأَ بِكَ مَنْ قَلَّدْتَهُ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي قَلَّدَهُ أَعْلَمَ مِنَ الثَّانِي، أَوِ اسْتَوَيَا، فَلَا أَثَرَ لِقَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَعْلَمَ، فَالْقِيَاسُ أَنَّا إِنْ أَوْجَبْنَا تَقْلِيدَ الْأَعْلَمِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ مُقَلِّدِهِ، وَإِلَّا فَلَا أَثَرَ لَهُ.
قُلْتُ: هَذَا الَّذِي زَعَمَ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ الْقِيَاسُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، بَلِ الْوَجْهُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِ الثَّانِي، وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ اجْتِهَادِيَّةً، وَقَدْ لَخَّصَ الصَّيْمَرِيُّ، وَالْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِتَفْصِيلٍ حَسَنٍ، فَقَالُوا: إِذَا أَفْتَى، ثُمَّ رَجَعَ، فَإِنْ عَلِمَ الْمُسْتَفْتِي رُجُوعَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَمِلَ بِالْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْعَمَلُ بِهِ، وَكَذَا إِذَا نَكَحَ بِفَتْوَاهُ، أَوِ اسْتَمَرَّ عَلَى نِكَاحٍ بِفَتْوَاهُ، ثُمَّ رَجَعَ، لَزِمَهُ فِرَاقُهَا، كَنَظِيرِهِ فِي الْقِبْلَةِ.
وَإِنْ كَانَ عَمِلَ بِهِ قَبْلَ الرُّجُوعِ، فَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِدَلِيلٍ قَاطِعٍ، لَزِمَ الْمُسْتَفْتِي نَقْضَ عَمَلِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ فَلَا؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ، وَلَا يُعْمَلُ خِلَافُ هَذَا لِأَصْحَابِنَا، وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبَا الْمُسْتَصْفَى وَ «الْمَحْصُولِ» ، فَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِمُخَالَفَةِ هَذَا. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو ابْنُ الصَّلَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَإِنْ كَانَ الْمُفْتِي إِنَّمَا يُفْتِي عَلَى مَذْهَبِ إِمَامٍ مُعَيَّنٍ، فَرَجَعَ لِكَوْنِهِ تَيَقَّنَ مُخَالَفَةَ نَصِّ إِمَامِهِ، وَجَبَ نَقْضُهُ، وَإِنْ كَانَ اجْتِهَادِيًّا؛ لِأَنَّ نَصَّ إِمَامِهِ فِي حَقِّهِ كَنَصِّ الشَّارِعِ فِي حَقِّ الْمُسْتَقِلِّ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْمُسْتَفْتِي بِرُجُوعِهِ. فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ فِي حَقِّهِ، وَيَلْزَمُ الْمُفْتِي إِعْلَامُهُ بِرُجُوعِهِ قَبْلَ الْعَمَلِ، وَكَذَا بَعْدَهُ حَيْثُ يَجِبُ النَّقْضُ، وَإِذَا عَمِلَ بِفَتْوَاهُ فِي إِتْلَافٍ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ أَخْطَأَ، وَخَالَفَ الْقَاطِعَ، فَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِينِيُّ: إِنْ كَانَ أَهْلًا لِلْفَتْوَى ضَمِنَ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَفْتِيَ مُقَصِّرٌ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute