قَوْلَيِ الْغُرُورِ أَوْ يُقْطَعَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ مُطْلَقًا إِذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِتْلَافُ، وَلَا أَلْجَأَ إِلَيْهِ بِإِلْزَامٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُجْتَهِدِ مَذْهَبٌ مُدَوَّنٌ، وَإِذَا دُوِّنَتِ الْمَذَاهِبُ، فَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ مَذْهَبٍ إِلَى مَذْهَبٍ؟ إِنْ قُلْنَا: يَلْزَمُهُ الِاجْتِهَادُ فِي طَلَبِ الْأَعْلَمِ، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الثَّانِيَ أَعْلَمُ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ، بَلْ يَجِبُ وَإِنْ خَيَّرْنَاهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ أَيْضًا، كَمَا لَوْ قَلَّدَ فِي الْقِبْلَةِ هَذَا أَيَّامًا، وَهَذَا أَيَّامًا.
وَلَوْ قَلَّدَ مُجْتَهِدًا فِي مَسَائِلَ، وَآخَرَ فِي مَسَائِلَ أُخْرَى، وَاسْتَوَى الْمُجْتَهِدَانِ عِنْدَهُ أَوْ خَيَّرْنَاهُ، فَالَّذِي يَقْتَضِيهِ فِعْلُ الْأَوَّلَيْنِ الْجَوَازُ، وَكَمَا أَنَّ الْأَعْمَى إِذَا قُلْنَا: لَا يَجْتَهِدُ فِي الْأَوَانِي وَالثِّيَابِ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ فِي الثِّيَابِ وَاحِدًا، وَفِي الْأَوَانِي آخَرَ، لَكِنِ الْأُصُولِيُّونَ مَنَعُوا مِنْهُ لِمَصْلَحَةٍ. وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فِيمَا إِذَا اخْتَارَ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ مَا هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ أَنْ يُفَسَّقَ بِهِ، وَعَنِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا يُفَسَّقُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
قُلْتُ: قَدِ اسْتَقْصَى الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذَا الْبَابَ، فَاسْتَوْعَبَ وَأَجَادَ، وَقَدِ اسْتَوْعَبْتُ أَنَا هَذَا الْبَابَ فِي أَوَّلِ شَرْحِ «الْمُهَذَّبِ» وَجَمَعْتُ فِيهِ مِنْ مَجْمُوعَاتِ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ وَمُتَفَرِّقَاتِهَا هَذَا الْمَذْكُورَ هُنَا مَعَ مِثْلِهِ أَوْ أَمْثَالِهِ، وَأَنَا أَذْكُرُ مِنْهُ هُنَا نُبَذًا أُشِيرُ إِلَيْهَا، وَلَا أَلْتَزِمُ تَرْتِيبِهِ.
فَيُسْتَحَبُّ لِلْمُعَلِّمِ وَالْمُفْتِي الرِّفْقُ بِالْمُتَعَلِّمِ وَالْمُسْتَفْتِي، لِيَتَمَكَّنَ مِنَ الْفَهْمِ عَنْهُ، وَقَدِ اسْتَوْعَبْتُ آدَابَ الْعَالِمِ وَالْمُعَلِّمِ فِي أَوَّلِ شَرْحِ «الْمُهَذَّبِ» وَذَكَرْتُ فِيهِ مَا لَا يَنْبَغِي لِطَالِبِ عِلْمٍ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهُ، قَالَ الْخَطِيبُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَغْدَادِيُّ: يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَفَقَّدَ أَحْوَالَ الْمُفْتِينَ، فَمَنْ صَلُحَ لَهَا، أَقَرَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَصْلُحْ، مَنَعَهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَعُودَ، وَيُوَاعِدُهُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute