للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَلَوْ خَالَفَ وَشَرَطَ الْقَاضِي الْحَنَفِيُّ عَلَى النَّائِبِ الشَّافِعِيِّ الْحُكْمَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ فِي «الْوَسِيطِ» : لَهُ الْحُكْمُ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي اتَّفَقَ عَلَيْهَا الْإِمَامَانِ دُونَ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، وَهَذَا حُكْمٌ مِنْهُ بِصِحَّةِ الِاسْتِخْلَافِ، لَكِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبَا «الْمُهَذِّبِ» وَ «التَّهْذِيبِ» وَغَيْرُهُمْ: لَوْ قَلَّدَ الْإِمَامُ رَجُلًا الْقَضَاءَ عَلَى أَنْ يَقْضِيَ بِمَذْهَبٍ عَيْنِهِ، بِطَلَ التَّقْلِيدُ. وَمُقْتَضَى هَذَا بُطْلَانُ الِاسْتِخْلَافِ هُنَاكَ، وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّ الْإِمَامَ الْحَنَفِيَّ لَوْ وَلَّى شَافِعِيًّا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقْضِيَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَلَا عَلَى غَائِبٍ، صَحَّتِ التَّوْلِيَةُ، وَلَغَا الشَّرْطُ، فَيَقْضِي بِمَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يُرَاعَى الشَّرْطُ هَنَاكَ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ لَمْ تَجْرِ صِيغَةُ الشَّرْطِ، بَلْ قَالَ الْإِمَامُ: قَلَّدْتُكَ الْقَضَاءَ، فَاحْكُمْ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَلَا تَحْكُمْ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، صَحَّ التَّقْلِيدُ، وَلَغَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ، قَالَ: وَلَوْ قَالَ: لَا تَحْكُمْ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ وَالْحُرِّ بِالْعَبْدِ، جَازَ، وَقَدْ قَصَرَ عَمَلَهُ عَلَى بَاقِي الْحَوَادِثِ، وَحَكَى وَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ قَالَ: لَا تَقْضِ فِيهِمَا بِقِصَاصٍ أَنَّهُ يَلْغُو أَمْ يَكُونُ مَنْعًا لَهُ فِي الْحُكْمِ فِي الْقِصَاصِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا.

الثَّالِثُ: حَيْثُ مَنَعْنَا الِاسْتِخْلَافَ، فَاسْتَخْلَفَ فَحُكْمُ الْخَلِيفَةِ بَاطِلٌ، لَكِنْ لَوْ تَرَاضَى خَصْمَانِ بِحُكْمِهِ، كَانَ كَالْمُحَكِّمِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي إِنْفَاذُ حُكْمِهِ، بَلْ يَسْتَأْنِفُ الْحُكْمَ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا جَوَّزْنَا الِاسْتِخْلَافَ، فَاسْتَخْلَفَ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ، فَحُكْمُهُ بَاطِلٌ أَيْضًا، وَلَا يَجُوزُ إِنْفَاذُهُ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: إِذَا نَصَّبَ الْإِمَامُ قَاضِيَيْنِ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، نُظِرَ إِنْ خَصَّ كُلَّ وَاحِدٍ بِطَرَفٍ مِنْهُ، أَوْ بِزَمَانٍ، أَوْ جَعَلَ أَحَدَهُمَا قَاضِيًا فِي الْأَمْوَالِ، وَالْآخِرَ فِي الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ، جَازَ، قَالَ ابْنُ كَجٍّ: وَكَذَا لَوْ وَلَّاهُمَا عَلَى أَنْ يَحْكُمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْوَاقِعَةِ الَّتِي يَرْفَعُهَا الْمُتَخَاصِمَانِ إِلَيْهِ، وَإِنْ عَمَّمَ وِلَايَتَهُمَا مَكَانًا وَزَمَانًا وَحَادِثَةً، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِمَا الِاجْتِمَاعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>