للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي الْحُكْمِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ يَكْثُرُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، فَتَتَعَطَّلُ الْحُكُومَاتُ، وَإِنْ أَثْبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ الِاسْتِقْلَالَ فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ كَالْإِمَامَةِ الْعُظْمَى، فَعَلَى هَذَا إِنْ وَلَّاهُمَا مَعًا، بَطَلَتْ تَوْلِيَتُهُمَا، وَإِنْ وَلَّاهُمَا مُتَعَاقِبَيْنِ، صَحَّتْ تَوْلِيَةُ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَأَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ، الْوَكِيلَيْنِ وَالْوَصِيَّيْنِ.

فَعَلَى هَذَا لَوْ تَنَازَعَ الْخَصْمَانِ فِي إِجَابَةِ دَاعِي الْقَاضِيَيْنِ يُجَابُ مَنْ سَبَقَ دَاعِيهِ، فَإِنْ جَاءَا مَعًا أُقْرِعَ، وَإِنْ تَنَازَعَا فِي اخْتِيَارِ الْقَاضِيَيْنِ، فَقَدْ أَطْلَقَ الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ يُقْرَعُ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْقَوْلُ قَوْلُ الطَّالِبِ دُونَ الْمَطْلُوبِ، فَإِنْ تَسَاوَيَا، حَضَرَا عِنْدَ أَقْرَبِ الْقَاضِيَيْنِ إِلَيْهِمَا، فَإِنِ اسْتَوَيَا فِي الْقُرْبِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُقْرِعُ، وَقِيلَ: يُمْنَعَانِ مِنَ التَّخَاصُمِ حَتَّى يَتَّفِقَا عَلَى أَحَدِهِمَا. وَإِنْ أَطْلَقَ نَصَّبَ قَاضِيَيْنِ، وَلَمْ يَشْرُطِ اجْتِمَاعَهُمَا، وَلَا اسْتِقْلَالَهُمَا، قَالَ صَاحِبُ «التَّقْرِيبِ» : يُحْمَلُ عَلَى إِثْبَاتِ الِاسْتِقْلَالِ تَنْزِيلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى مَا يَجُوزُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: التَّوْلِيَةُ بَاطِلَةٌ حَتَّى يُصَرِّحَ بِالِاسْتِقْلَالِ.

قُلْتُ: قَوْلُ صَاحِبِ «التَّقْرِيبِ» أَصَحُّ، وَبِهِ قَطَعَ الرَّافِعِيُّ فِي «الْمُحَرَّرِ» ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْخَامِسَةُ: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُحَكِّمَ الْخَصْمَانِ رَجُلًا غَيْرَ الْقَاضِي، وَهَلْ لِحُكْمِهِ بَيْنَهُمَا اعْتِبَارٌ، قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ نَعَمْ، وَخَالَفَهُمُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ، فَرَجَّحَا الْمَنْعَ، وَقِيلَ الْقَوْلَانِ فِي الْأَمْوَالِ فَقَطْ، فَأَمَّا النِّكَاحُ وَاللَّعَّانُ، وَالْقِصَاصُ، وَحَدُّ الْقَذْفِ وَغَيْرُهَا، فَلَا يَجُوزُ فِيهَا التَّحْكِيمُ قَطْعًا، وَالْمَذْهَبُ طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَمِيعِ، وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ، وَلَا يُجْزِئُ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمَذْهَبِ، إِذْ لَيْسَ لَهَا طَالِبٌ مُعَيَّنٌ، وَفِي «التَّهْذِيبِ» وَغَيْرِهِ مَا يَقْضِي ذَهَابَ بَعْضِهِمْ إِلَى طَرْدِ الْخِلَافِ فِيهَا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقِيلَ الْقَوْلَانِ فِي التَّحْكِيمِ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مَخْصُوصَانِ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَجُزْ، وَقِيلَ: هُمَا إِذَا كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>