ضَابِطًا لِلْحُرُوفِ، وَأَنْ يُجْلِسَهُ الْقَاضِي بَيْنَ يَدَيْهِ لِيُمْلِيَ عَلَيْهِ، وَيُشَاهِدَ مَا يَكْتُبُهُ.
وَأَمَّا الْمُزَكُّونَ فَسَيَأْتِي فِيهِمْ فَصْلٌ مُفْرَدٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا الْمُتَرْجِمُونَ، فَلِلْحَاجَةِ إِلَى مَعْرِفَةِ كَلَامِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْقَاضِيَ لُغَتَهُ مِنْ خَصْمٍ أَوْ شَاهِدٍ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُتَرْجِمِ التَّكْلِيفُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْعَدَالَةُ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُلُ إِلَى الْقَاضِي قَوْلًا لَا يَعْرِفُهُ، فَأَشْبَهَ الشَّاهِدُ وَالْمُزَكِّي بِخِلَافِ الْكَاتِبِ، وَلِهَذِهِ الْعِلَّةِ شَرَطْنَا الْعَدَدَ فِيهِ وَفِي الْمُزَكِّي.
قَالَ الْأَصْحَابُ: فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مِمَّا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، قُبِلَتِ التَّرْجَمَةُ مِنْ رَجُلَيْنِ أَوْ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَانْفَرَدَ الْإِمَامُ بِاشْتِرَاطِ رَجُلَيْنِ، وَاخْتَارَهُ الْبَغَوِيُّ لِنَفْسِهِ. وَأَمَّا النِّكَاحُ وَالْعِتْقُ وَسَائِرُ مَا لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِرَجُلَيْنِ، فَيُشْتَرَطُ فِي تَرْجَمَتِهِ رَجُلَانِ، وَفِي الزِّنَا هَلْ يَكْفِي رَجُلَانِ أَمْ يُشْتَرَطُ أَرْبَعَةٌ؟ قَوْلَانِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا، وَقِيلَ: يَكْفِي رَجُلَانِ قَطْعًا، وَلَوْ كَانَ الشَّاهِدَانِ أَعْجَمِيَّيْنِ فَهَلْ يَكْفِي لَهُمَا مُتَرْجِمَانِ أَمْ يُشْتَرَطُ لِكُلٍّ مُتَرْجِمَانِ؟ قَوْلَانِ كَشُهُودِ الْفَرْعِ، وَبِالْأَوَّلِ قَطَعَ الْعِبَادِيُّ فِي «الرَّقْمِ» ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُتَرْجِمُ أَعْمَى عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ يُفَسِّرُ اللَّفْظَ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى مُعَايَنَةٍ وَإِشَارَةٍ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ، وَإِذَا كَانَ بِالْقَاضِي صَمَمٌ وَاحْتَاجَ إِلَى مَنْ يُسْمِعُهُ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا: يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ كَالْمُتَرْجِمِ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّ الْمُسْمِعَ لَوْ غَيَّرَ أَنْكَرَ عَلَيْهِ الْخَصْمُ، وَالْحَاضِرُونَ بِخِلَافِ الْمُتَرْجِمِ.
وَالثَّالِثُ: إِنْ كَانَ الْخَصْمَانِ أَصَمَّيْنِ، اشْتُرِطَ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُمَا لَا يَعْتَنِي اعْتِنَاءَهُمَا، وَإِنْ كَانَا سَمِيعَيْنِ، فَلَا. فَأَمَّا إِسْمَاعُ الْخَصْمِ مَا يَقُولُهُ الْقَاضِي، وَمَا يَقُولُهُ الْخَصْمُ، فَحَكَى الرُّويَانِيُّ عَنِ الْقَفَّالِ، أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ، وَإِذَا شَرَطْنَا الْعَدَدَ. اشْتُرِطَ لَفْظُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ يَقُولُ كَذَا، وَمَنْ مَنَعَ، قَالَ: لَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ مُحَقَّقَةٍ، وَإِذَا لَمْ يُشْتَرَطِ الْعَدَدُ، اشْتُرِطَتِ الْحُرِّيَّةُ عَلَى الْأَصَحِّ، كَهِلَالِ رَمَضَانَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute