لَوْ قَالَ لِلْخَصْمَيْنِ: لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا حَتَّى تَجْعَلَا لِي رِزْقًا، جَازَ، وَمِثْلُهُ عَنِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا نَحْوَ مَا نَقَلَ الْهَرَوِيُّ أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رِزْقٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْخَصْمِ أُجْرَةً مِثْلَ عَمَلِهِ، وَإِنْ تَعَيَّنَ، قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ وَجَوَّزَهُ صَاحِبُ «التَّقْرِيبِ» وَأَمَا بَاذِلُ الرِّشْوَةِ، فَإِنْ بَذَلَهَا لِيَحْكُمَ لَهُ بِغَيْرِ الْحَقِّ، [أَوْ يَتْرُكَ الْحُكْمَ بِحَقٍّ] حَرُمَ عَلَيْهِ الْبَذْلُ، وَإِنْ كَانَ لِيَصِلَ إِلَى حَقِّهِ، فَلَا يَحْرُمُ كَفِدَاءِ الْأَسِيرِ.
قُلْتُ: وَأَمَّا الْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الْمُرْتَشِي وَالرَّاشِي، فَلَهُ حُكْمُ مُوَكِّلِهِ مِنْهُمَا، فَإِنْ وَكَّلَا، حَرُمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ لِلْآخِذِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الْهَدِيَّةُ فَالْأَوْلَى أَنْ يَسُدَّ بَابَهَا وَلَا يَقْبَلَهَا، ثُمَّ إِنَّ كَانَ لِلْمُهْدِي خُصُومَةٌ فِي الْحَالِ، حَرُمَ قَبُولُ هَدِيَّتِهِ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، وَهَدِيَّتُهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، كَهَدِيَّةِ مَنْ عَادَتُهُ أَنْ يُهْدَى [لَهُ] قَبْلَ الْوِلَايَةِ لِقَرَابَةٍ أَوْ صَدَاقَةٍ وَلَا يَحْرُمُ قَبُولُهَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَحَكَى ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي تَحْرِيمِهَا وَجْهًا وَهُوَ [مُقْتَضَى] إِطْلَاقِ الْمَاوَرْدِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَادَةٌ بِالْهَدِيَّةِ قَبْلَ الْوِلَايَةِ، فَإِنْ زَادَ الْمُهْدِي عَلَى الْقَدْرِ الْمَعْهُودِ، صَارَتْ هَدِيَّتُهُ كَهَدِيَّةِ مَنْ لَمْ يُعْهَدْ مِنْهُ الْهَدِيَّةُ، وَحَيْثُ حَكَمْنَا بِأَنَّ الْقَبُولَ لَيْسَ بِحَرَامٍ، فَلَهُ الْأَخْذُ وَالتَّمَلُّكُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهَا أَوْ يَضَعَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَحَيْثُ قُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ، فَقَبِلَهَا، لَمْ يُمَلَّكْهَا عَلَى الْأَصَحِّ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَخَذَهَا، قِيلَ: يَضَعُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَرُدُّهَا عَلَى مَالِكِهَا، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ، جَعَلَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute