فَرْعٌ
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الرِّشْوَةَ حَرَامٌ مُطْلَقًا، وَالْهَدِيَّةُ جَائِزَةٌ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، فَيُطْلَبُ الْفَرْقُ بَيْنَ حَقِيقَتَيْهِمَا مَعَ أَنَّ الْبَاذِلَ رَاضٍ فِيهِمَا، وَالْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ: أَنَّ الرِّشْوَةَ هِيَ الَّتِي يُشْرَطُ عَلَى قَابِلِهَا الْحُكْمُ بِغَيْرِ الْحَقِّ، أَوْ الِامْتِنَاعُ عَنِ الْحُكْمِ بِحَقٍّ، وَالْهَدِيَّةُ: هِيَ الْعَطِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ.
وَالثَّانِي قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي «الْإِحْيَاءِ» : الْمَالُ إِمَّا يُبْذَلُ لِغَرَضٍ آجِلٍ فَهُوَ قُرْبَةٌ وَصَدَقَةٌ، وَإِمَّا لِعَاجِلٍ، وَهُوَ إِمَّا مَالٌ، فَهُوَ هِبَةٌ بِشَرْطِ ثَوَابٍ، أَوْ لِتَوَقُّعِ ثَوَابٍ، وَإِمَّا عَمَلٌ، فَإِنْ كَانَ عَمَلًا مُحَرَّمًا، أَوْ وَاجِبًا مُتَعَيَّنًا، فَهُوَ رِشْوَةٌ، وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَإِجَارَةٌ أَوْ جَعَالَةٌ، وَإِمَّا لِلتَّقَرُّبِ وَالتَّوَدُّدِ إِلَى الْمَبْذُولِ لَهُ، فَإِنْ كَانَ بِمُجَرَّدِ نَفْسِهِ، فَهَدِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَ لِيَتَوَسَّلَ بِجَاهِهِ إِلَى أَغْرَاضٍ وَمَقَاصِدَ، فَإِنْ كَانَ جَاهُهُ بِالْعِلْمِ أَوِ النَّسَبِ، فَهُوَ هَدِيَّةٌ، وَإِنْ كَانَ بِالْقَضَاءِ وَالْعَمَلِ، فَهُوَ رِشْوَةٌ.
[الْأَدَبُ] الثَّامِنُ: فِي تَأْدِيبِهِ الْمُسِيئِينَ عَمَّنْ أَسَاءَ الْأَدَبَ فِي مَجْلِسِهِ مِنَ الْخُصُومِ بِأَنْ صَرَّحَ بِتَكْذِيبِ الشُّهُودِ، أَوْ ظَهَرَ مِنْهُ مَعَ خَصْمِهِ لَدَدٌ، أَوْ مُجَاوَزَةُ حَدٍّ، زَجَرَهُ وَنَهَاهُ، فَإِنْ عَادَ، هَدَّدَهُ وَصَاحَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْزَجِرْ، عَزَّرَهُ بِمَا يَقْتَضِيهِ اجْتِهَادُهُ مِنْ تَوْبِيخٍ وَإِغْلَاظِ الْقَوْلِ، أَوْ ضَرْبٍ وَحَبْسٍ، وَلَا يَحْبِسُهُ بِمُجَرَّدِ ظُهُورِ اللَّدَدِ، وَعَنِ الْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّهُ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَفِي «يَتِيمَةِ الْيَتِيمَةِ» أَنَّهُ إِنَّمَا يَضْرِبُهُ بِالدِّرَّةِ دُونَ السِّيَاطِ إِذِ الضَّرْبُ بِالسِّيَاطِ مِنْ شَأْنِهِ الْحُدُودُ. وَهَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، بَلِ الضَّرْبُ بِالسِّيَاطِ جَائِزٌ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ، أَلَا تَرَى أَنَّ لَفْظَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَعْزِيرِ الْقَاضِي شَاهِدَ الزُّورِ حَيْثُ قَالَ: عَزَّرَهُ وَلَمْ يَبْلُغْ بِالتَّعْزِيرِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا.
وَمِثَالُ اللَّدَدِ أَنْ تَتَوَجَّهَ الْيَمِينُ عَلَى الْخَصْمِ، فَيَطْلُبُ يَمِينَهُ، ثُمَّ يَقْطَعُهَا عَلَيْهِ، وَيَزْعُمُ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً، ثُمَّ يُحْضِرُهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا، وَيَفْعَلُ كَذَلِكَ، وَكَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute