لَوْ أَحْضَرَ رَجُلًا، وَادَّعَى عَلَيْهِ وَقَالَ: لِي بَيِّنَةٌ وَسَأُحْضِرُهَا، ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ ثَانِيًا وَثَالِثًا إِيذَاءً وَتَعَنُّتًا. وَلَوِ اجْتَرَأَ خَصْمٌ عَلَى الْقَاضِي وَقَالَ: أَنْتَ تَجُورُ أَوْ تَمِيلُ، أَوْ ظَالِمٌ، جَازَ أَنْ يُعَزِّرَهُ وَأَنْ يَعْفُوَ، وَالْعَفْوُ أَوْلَى إِنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى ضَعْفِهِ، وَالتَّعْزِيرُ أَوْلَى إِنْ حُمِلَ عَلَيْهِ.
فَرْعٌ
شَهَادَةُ الزُّورِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، وَمَنْ ثَبَتَ أَنَّهُ شَهِدَ بِزُورٍ، عَزَّرَهُ الْقَاضِي بِمَا يَرَاهُ مِنْ تَوْبِيخٍ وَضَرْبٍ وَحَبْسٍ، وَشَهَّرَ حَالَهُ، وَأَمَرَ بِالنِّدَاءِ عَلَيْهِ فِي سُوقِهِ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السُّوقِ، أَوْ قَبِيلَتِهِ إِنْ كَانَتْ لَهُ قَبِيلَةٌ، أَوْ مَسْجِدِهِ تَحْذِيرًا لِلنَّاسِ مِنْهُ، وَتَأْكِيدًا لِأَمْرِهِ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ شَهَادَةُ الزُّورِ بِإِقْرَارِ الشَّاهِدِ إِنْ تَيَقَّنَ الْقَاضِي، بِأَنْ شَهِدَ أَنَّ فَلَانًا زِنَى بِالْكُوفَةِ يَوْمَ كَذَا، وَقَدْ رَآهُ الْقَاضِي ذَلِكَ الْيَوْمَ بِبَغْدَادَ.
هَكَذَا أَطْلَقَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ [هَلْ] يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ، وَلَا يَكْفِي قِيَامُ الْبَيِّنَةِ بِأَنَّهُ شَاهِدُ زُورٍ، فَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ بَيِّنَةَ زُورٍ.
[الْأَدَبُ] التَّاسِعُ: لَا يُنَفَّذُ قَضَاءُ الْقَاضِي لِنَفْسِهِ، وَلَا لِمَمْلُوكِهِ الْقِنِّ وَغَيْرِ الْقِنِّ، وَلَا لِشَرِيكِهِ فِيمَا لَهُ فِيهِ شِرْكٌ، وَلَا لِشَرِيكِ مَكَاتِبِهِ فِيمَا لَهُ فِيهِ شِرْكٌ، وَلَا يَقْضِي لِأَحَدٍ مِنْ أُصُولِهِ وَإِنْ عَلَوْا، وَلَا فُرُوعِهِ وَإِنْ نَزَلُوا، وَلَا لِمَمْلُوكِ أَحَدِهِمْ، وَلَا لِشَرِيكِهِ، فَإِنْ فَعَلَ، لَمْ يُنَفَّذْ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ لَهُمْ بِعِلْمِهِ، لَمْ يُنَفَّذْ قَطْعًا، وَإِنْ جَوَّزْنَا قَضَاءَهُ بِعِلْمِهِ لِلْأَجَانِبِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ عَلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ، كَمَا يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ وَفَصَّلَ الْبَغَوِيُّ الْحُكْمَ لِلْوَلَدِ وَعَلَيْهِ، فَقَالَ: لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ ابْنَهُ عَلَى نَفْيِ مَا يُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَطْعٌ لِلْخُصُومَةِ لَا حُكْمَ لَهُ، وَلَهُ أَنْ يَسْمَعَ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute