أَحَدُهُمَا: إِذَا كَانَ فِي الْمُدَّعِينَ مُسَافِرُونَ مُسْتَوْفِزُونَ وَقَدْ شَدُّوا الرِّحَالَ لِيَخْرُجُوا، وَلَوْ أُخِّرُوا لَتَخَلَّفُوا عَنْ رُفْقَتِهِمْ، فَإِنْ قَلُّوا، قُدِّمُوا عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِلَّا فَلَا، بَلْ يُعْتَبَرُ السَّبْقُ بِالْقُرْعَةِ.
وَالثَّانِي لَوْ كَانَ فِي الْحَاضِرِينَ نِسْوَةٌ، وَرَأَى الْقَاضِي تَقْدِيمَهُنَّ لِيَنْصَرِفْنَ، قَدَّمَهُنَّ عَلَى الصَّحِيحِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكْثُرْنَ. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُسَافِرُ وَالْمَرْأَةُ مُدَّعِيًا، أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ. ثُمَّ تَقْدِيمُ الْمُسَافِرِ وَالْمَرْأَةِ لَيْسَ بِمُسْتَحَقٍّ عَلَى الصَّحِيحِ، بَلْ هُوَ رُخْصَةٌ لِجَوَازِ الْأَخْذِ بِهِ، وَهَذَا ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُشْعِرُ كَلَامُهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ.
قُلْتُ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَا يُقْتَصَرُ بِهِ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ تَقْدِيمُ الْمُسَافِرِ عَلَى الْمُقِيمِينَ، وَالْمَرْأَةِ عَلَى الرِّجَالِ، فَأَمَّا الْمُسَافِرُونَ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ، وَكَذَا النِّسْوَةُ، فَالرُّجُوعُ فِيهِمْ إِلَى السَّبْقِ أَوِ الْقُرْعَةِ.
فَرْعٌ
الْمُقَدَّمُ بِالسَّبَقِ أَوِ الْقُرْعَةِ لَا يُقَدَّمُ إِلَّا فِي دَعْوَى وَاحِدَةٍ، لِئَلَّا يُطَوِّلَ عَلَى الْبَاقِينَ، فَإِنْ كَانَ لَهُ دَعْوَى أُخْرَى، فَلْيَحْضُرْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، أَوْ يَنْتَظِرْ فَرَاغَ الْقَاضِي مِنْ حُكُومَاتِ سَائِرِ الْحَاضِرِينَ، وَحِينَئِذٍ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ الثَّانِيَةُ إِنْ لَمْ يَضْجَرِ الْقَاضِي، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ عَلَى الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ الدَّعْوَى الْأُولَى أَوْ عَلَى غَيْرِهِ، وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْأُولَى مَسْمُوعَةٌ إِذَا اتَّحَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا قَالَ فِي «الْوَسِيطِ» : تُسْمَعُ إِلَى ثَلَاثِ دَعَاوَى، وَمِنْهُمْ مَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute