الْأُولَى: لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَّخِذَ شُهُودًا مُعَيَّنِينَ لَا يَقْبَلُ شَهَادَةَ غَيْرِهِمْ، لِمَا فِيهِ مِنَ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ.
الثَّانِيَةُ: إِذَا شَهِدَ عِنْدَهُ شُهُودٌ، نُظِرَ إِنْ عَرَفَ فِسْقَهُمْ رَدَّ شَهَادَتَهُمْ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى بَحْثٍ، وَإِنْ عَرَفَ عَدَالَتَهُمْ قَبِلَ شَهَادَتَهُمْ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى التَّعْدِيلِ، وَإِنْ طَلَبَهُ الْخَصْمُ وَفِيهِ وَجْهٌ سَبَقَ فِي الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ حَالَهُمْ، لَمْ يَجُزْ قَبُولُ شَهَادَتِهِمْ وَالْحُكْمُ بِهَا إِلَّا بَعْدَ الِاسْتِزْكَاءِ وَالتَّعْدِيلِ، سَوَاءٌ طَعَنَ الْخَصْمُ فِيهِمْ أَوْ سَكَتَ. وَلَوْ أَقَرَّ الْخَصْمُ بِعَدَالَتِهِمَا، وَلَكِنْ قَالَ: أَخْطَأَ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ، فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يَحْكُمُ بِشَهَادَتِهِمَا بِلَا بَحْثٍ عَنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ لَحَقِّهِ، وَقَدِ اعْتَرَفَ بِعَدَالَتِهِمَا، وَأَصَحُّهُمَا لَا بُدَّ مِنَ الْبَحْثِ وَالتَّعْدِيلِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ فَاسِقٍ وَإِنْ رَضِيَ الْخَصْمُ، وَلِأَنَّ الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِ يَتَضَمَّنُ تَعْدِيلَهُ، وَالتَّعْدِيلُ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلٍ وَاحِدٍ.
وَإِنْ صَدَّقَهُمَا فِيمَا شَهِدَا بِهِ، قَضَى الْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ بِالْحَقِّ، وَاسْتَغْنَى عَنِ الْبَحْثِ عَنْ حَالِهِمَا، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ فَصَدَّقَهُ، وَلَوْ شَهِدَ مَعْلُومَا الْعَدَالَةِ، ثُمَّ أَقَرَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِمَا شَهِدَا بِهِ قُبِلَ حُكْمُ الْقَاضِي، فَهَلْ يَسْتَنِدُ الْحُكْمُ إِلَى الْإِقْرَارِ دُونَ الشَّهَادَةِ أَمْ إِلَيْهِمَا جَمِيعًا؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْهَرَوِيُّ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا الْأَوَّلُ، وَالثَّانِي حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ فِي الْمُنَاظَرَةِ، وَذَكَرَ الْهَرَوِيُّ أَنَّهُ لَوْ بَعُدَ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِمَا، فَقَدْ مَضَى الْحُكْمُ مُسْتَنِدًا إِلَى الشَّهَادَةِ، سَوَاءٌ وَقَعَ إِقْرَارُهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْمَالِ إِلَى الْمَشْهُودِ لَهُ أَمْ قَبْلَهُ، وَفِيمَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ الْخَصْمُ لِلشَّاهِدِ قَبْلَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ مَا تَشْهَدُ بِهِ عَلَيَّ فَأَنْتَ عَدْلٌ صَادِقٌ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِقْرَارًا، لَكِنَّهُ تَعْدِيلٌ لِلشَّاهِدِ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ التَّعْدِيلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute