غَيْرِهِ، نُظِرَ إِنْ بَلَغَ الْمُخْبِرُونَ حَدَّ التَّوَاتُرِ جَازَ الْجَرْحُ لِحُصُولِ الْعِلْمِ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَبْلُغِ التَّوَاتُرَ، لَكِنِ اسْتَفَاضَ، جَازَ الْجَرْحُ أَيْضًا، صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَلَا يَجُوزُ الْجَرْحُ بِنَاءً عَلَى خَبَرِ عَدَدٍ يَسِيرٍ، لَكِنْ يَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِمْ بِشَرْطِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَذَكَرَ الْبَغَوِيُّ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ فِي أَنَّ الْحُكْمُ بِقَوْلِ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَعْتَمِدَ فِيهِ أَصْحَابُ الْمَسَائِلِ خَبَرَ وَاحِدٍ مِنَ الْجِيرَانِ إِذَا وَقَعَ فِي نُفُوسِهِمْ صِدْقُهُ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ سَبَبِ رُؤْيَةِ الْجُرْحِ أَوْ سَمَاعِهِ؟ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، فَيَقُولُ مَثَلًا: رَأَيْتُهُ يَزْنِي، وَسَمِعْتُهُ يَقْذِفُ.
وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يَقُولُ فِي الِاسْتِفَاضَةِ: اسْتَفَاضَ عِنْدِي.
وَالثَّانِي - هُوَ الْمَذْكُورُ فِي «الشَّامِلِ» -: لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ: مِنْ أَيْنَ عَرَفْتَ حَالَهُ، وَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ بَنَيْتَ شَهَادَتَكَ؟ كَمَا فِي سَائِرِ الشَّهَادَاتِ، وَهَذَا أَقِيسُ وَيُحْكَى عَنِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ.
وَلَا يُجْعَلُ الْجَارِحُ بِذِكْرِ الزِّنَى قَاذِفًا لِلْحَاجَةِ، كَمَا لَا يُجْعَلُ الشَّاهِدُ قَاذِفًا، فَإِنْ لَمْ يُوَافِقْهُ غَيْرُهُ، فَلْيَكُنْ كَمَا لَوْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ بِالزِّنَى هَلْ يُجْعَلُونَ قَذَفَةً؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ.
قُلْتُ: الْمُخْتَارُ أَوِ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُجْعَلُ قَاذِفًا، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي شَهَادَتِهِ بِالْجَرْحِ، فَإِنَّهُ مَسْئُولٌ عَنْهُمَا وَهِيَ فِي حَقِّهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَوْ مُتَعَيَّنَةٌ فَهُوَ مَعْذُورٌ بِخِلَافِ شُهُودِ الزِّنَى، فَإِنَّهُمْ مَنْدُوبُونَ إِلَى السَّتْرِ، فَهُمْ مُقَصِّرُونَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ أَخْبَرَهُ بِعَدَالَتِهِ مَنْ يَحْصُلُ بِخَبَرِهِ الِاسْتِفَاضَةُ وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِبَاطِنِ مَنْ يَعْدِلُونَ، لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يَجُوزَ لَهُ تَعْدِيلُهُ بِذَلِكَ، وَتُقَامُ خِبْرَتُهُمْ مَقَامَ خِبْرَتِهِ، كَمَا أُقِيمَ فِي الْجَرْحِ رُؤْيَتُهُمْ مَقَامَ رُؤْيَتِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute