وَإِذَا تَأَمَّلْتَ كَلَامَ الْأَصْحَابِ، فَقَدْ تَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِي هَذَا خِلَافٌ مُحَقَّقٌ، بَلْ إِنْ وَلِيَ صَاحِبُ الْمَسْأَلَةِ الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ، فَحُكْمُ الْقَاضِي مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ، وَلَا يَعْتَبِرُ الْعَدَدَ؛ لِأَنَّهُ حَاكِمٌ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِالْبَحْثِ، بَحَثَ وَوَقَفَ عَلَى حَالِ الشَّاهِدِ، وَشَهِدَ بِمَا وَقَفَ عَلَيْهِ، فَالْحُكْمُ أَيْضًا مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ، لَكِنْ يَعْتَبِرُ الْعَدَدَ؛ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ، وَإِنْ أَمَرَهُ بِمُرَاجَعَةِ مُزَكِّيَيْنِ، فَصَاعِدًا وَبِأَنْ يُعْلِمَهُ بِمَا عِنْدَهُمَا، فَهُوَ رَسُولٌ مَحْضٌ، وَالِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْلِهِمَا فَلْيَحْضُرَا وَيَشْهَدَا. وَكَذَا لَوْ شَهِدَ عَلَى شَهَادَتِهِمَا، لَأَنَّ الشَّاهِدَ الْفَرْعَ لَا يُقْبَلُ مَعَ حُضُورِ الْأَصْلِ.
فَرْعٌ
مَنْ نَصَّبَ حَاكِمًا فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ اعْتَبَرَ فِيهِ صِفَاتِ الْقُضَاةِ، وَمَنْ شُهِرَ بِالْعَدَالَةِ أَوِ الْفِسْقِ، اشْتَرَطَ فِيهِ صِفَاتِ الشُّهُودِ، وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ الْعِلْمُ بِالْعَدَالَةِ وَالْفِسْقِ وَأَسْبَابِهِمَا، وَأَنْ يَكُونَ الْمُعَدِّلُ خَبِيرًا بِبَاطِنِ حَالِ مَنْ يُعَدِّلُهُ لِصُحْبَةٍ أَوْ جِوَارٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ وَنَحْوِهَا، قَالَ فِي «الْوَسِيطِ» : وَيَلْزَمُ الْقَاضِي أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الْمُزَكِّيَ خَبِيرٌ بِبَاطِنِ الشَّاهِدِ فِي كُلِّ تَزْكِيَةٍ إِلَّا إِذَا عَلِمَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يُزَكِّي إِلَّا بَعْدَ الْخِبْرَةِ، ثُمَّ ظَاهِرُ لَفْظِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اعْتِبَارُ التَّقَادُمِ فِي الْمَعْرِفَةِ الْبَاطِنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاخْتِبَارُ فِي يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: شِدَّةُ الْفَحْصِ وَالْإِمْعَانِ تَقُومُ مَقَامَ التَّقَادُمِ فِي الْمَعْرِفَةِ الْبَاطِنَةِ.
وَيُمْكِنُ الِاخْتِبَارُ فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ، وَلَيْسَ ذِكْرُ التَّقَادُمِ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاطِ، بَلْ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ الْبَاطِنَةَ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِذَلِكَ، وَيُوَضِّحُ هَذَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَاضِيَ يَأْمُرُ بِالْبَحْثِ، لِيَعْرِفَ حَالَ الشَّاهِدِ فَيُزَكِّيَهُ، وَلَوِ اعْتَبَرْنَا التَّقَادُمَ لَطَالَتِ الْمُدَّةُ، وَتَضَرَّرَ الْمُتَدَاعِيَانِ بِالتَّأْخِيرِ الطَّوِيلِ.
أَمَّا الْجَرْحُ، فَيَعْتَمِدُ فِيهِ الْمُعَايَنَةِ أَوِ السَّمَاعِ، فَالْمُعَايَنَةُ أَنْ يَرَاهُ يَزْنِي أَنْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ، وَالسَّمَاعُ بِأَنْ يَسْمَعَهُ يَقْذِفُ، أَوْ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِزِنًا أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ، فَإِنْ سَمِعَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute