للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِنْ كَانَ مَشْهُودًا وَحَصَلَ التَّمْيِيزُ بِبَعْضِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ، كَفَى، وَيَكْتُبُ أَيْضًا اسْمَ الْمَشْهُودِ لَهُ، وَالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، فَقَدْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَا يَمْنَعُ شَهَادَتَهُ لَهُ، أَوْ عَلَيْهِ مِنْ قَرَابَةٍ أَوْ عَدَاوَةٍ.

وَفِي قَدْرِ الْمَالِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: لَا يَكْتُبُهُ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تَتَجَزَّأُ، وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَذْكُرُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُ الشَّاهِدِ فِي الْقَلِيلِ دُونَ الْكَثِيرِ، وَأَمَّا دَعْوَى الْأَوَّلِ أَنَّ الْعَدَالَةَ لَا تَتَجَزَّأُ، فَقَدْ حَكَى أَبُو الْعَبَّاسِ الرُّويَانِيُّ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ وَبَنَى عَلَيْهِمَا أَنَّهُ لَوْ عُدِّلَ، وَقَدْ شَهِدَ بِمَالٍ قَلِيلٍ، ثُمَّ شَهِدَ فِي الْحَالِ بِمَالٍ كَثِيرٍ هَلْ يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ تَزْكِيَةٍ وَيَكْتُبُ إِلَى كُلِّ مُزَكٍّ كِتَابًا، وَيَدْفَعُهُ إِلَى صَاحِبِ مَسْأَلَةٍ، وَيُخْفِي كُلَّ كِتَابٍ عَنْ غَيْرِ مَنْ دَفَعَهُ إِلَيْهِ وَغَيْرِ مَنْ بَعَثَهُ إِلَيْهِ احْتِيَاطًا، ثُمَّ إِذَا وَقَفَ الْقَاضِي عَلَى مَا عِنْدَ الْمُزَكِّينَ، فَإِنْ كَانَ جُرْحًا لَمْ يُظْهِرْهُ، وَقَالَ لِلْمُدَّعِي: زِدْنِي فِي الشُّهُودِ، وَإِنْ كَانَ تَعْدِيلًا، عَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ، ثُمَّ حَكَى الْأَصْحَابُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّ الْحُكْمَ بِقَوْلِ الْمُزَكِّينَ، أَمْ بِقَوْلِ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ؟ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: بِقَوْلِ الْمُزَكِّينَ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْمَسَائِلِ شُهُودٌ عَلَى شَهَادَةٍ، فَكَيْفَ تُقْبَلُ مَعَ حُضُورِ الْأَصْلِ؟ وَإِنَّمَا هُمْ رُسُلٌ وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْمَسْأَلَةِ وَاحِدًا، فَإِنْ عَادَ بِالْجُرْحِ، تَوَقَّفَ الْقَاضِي، وَإِنْ عَادَ بِالتَّعْدِيلِ، دَعَا مُزَكِّيَيْنِ لِيَشْهَدَا عِنْدَهُ بِعَدَالَةِ الشَّاهِدِ، وَيُشِيرَا إِلَيْهِ، وَيَأْمَنُ بِذَلِكَ مِنَ الْغَلَطِ مِنْ شَخْصٍ إِلَى شَخْصٍ.

قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ: إِنَّمَا يَحْكُمُ بِقَوْلِ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ، وَيُبْنَى عَلَى مَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ بِقَوْلِ الْمُزَكِّينَ.

قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: وَهَذَا وَإِنْ كَانَ شَهَادَةً عَلَى شَهَادَةٍ تُقْبَلُ لِلْحَاجَةِ؛ لِأَنَّ الْمُزَكِّيَ لَا يُكَلَّفُ الْحُضُورَ، وَقَوْلُ الْإِصْطَخْرِيِّ أَصَحُّ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِمَا. قَالُوا: وَعَلَى هَذَا إِنَّمَا يَعْتَمِدُ الْقَاضِي قَوْلَ اثْنَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ، فَإِنْ وَصَفَاهُ بِالْفِسْقِ، فَعَلَى مَا سَبَقَ، وَإِنْ وَصَفَاهُ بِالْعَدَالَةِ أَحْضَرَ الشَّاهِدَيْنِ لِيَشْهَدَا بِعَدَالَتِهِ، وَيُشِيرَا إِلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>