الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ الْمُدَّعَاةُ غَائِبَةً عَنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ دُونَ الْبَلَدِ، فَإِنْ كَانَ الْخَصْمُ حَاضِرًا أُمِرَ بِإِحْضَارِهِ لِتَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْنِهَا، وَلَا تُسْمَعُ الشَّهَادَةُ عَلَى صِفَتِهَا هَذَا [هُوَ] الْجَوَابُ فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ.
وَيُشْبِهُ أَنْ يَجِيءَ فِيهِ وَجْهٌ فِيمَا إِذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْبَلَدِ، هَلْ تُسْمَعُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ مَعَ غَيْبَتِهِ عَنِ الْمَجْلِسِ؟ ثُمَّ إِنَّمَا يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِ مَا يُمْكِنُ إِحْضَارُهُ بِتَيَسُّرٍ فَأَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ، كَالْعَقَارِ، فَيَحُدُّهُ الْمُدَّعِي وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْحُدُودِ، فَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ: نَعْرِفُ الْعَقَارَ بِعَيْنِهِ، وَنَعْرِفُ الْحُدُودَ، بَعَثَ الْقَاضِي مَنْ يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ عَلَى عَيْنِهِ، أَوْ حَضَرَ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِالْحُدُودِ الْمَذْكُورَةِ فِي الدَّعْوَى، حَكَمَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ كَانَ الْعَقَارُ مَشْهُورًا لَا يَشْتَبِهُ، فَلَا حَاجَةَ لِلتَّحْدِيدِ، وَأَمَّا مَا يَعْسُرُ إِحْضَارُهُ كَشَيْءٍ ثَقِيلٍ، وَمَا أُثْبِتَ فِي الْأَرْضِ، أَوْ رُكِّبَ فِي الْجِدَارِ، وَأَوْرَثَ قَلْعُهُ ضَرَرًا، فَيَصِفُهُ الْمُدَّعِي، وَيَحْضُرُ الْقَاضِي عِنْدَهُ، أَوْ يَبْعَثُ مَنْ يَسْمَعُ الشَّهَادَةَ عَلَى عَيْنِهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ وَصْفُهُ حَضَرَ الْقَاضِي عِنْدَهُ، أَوْ بَعَثَ مَنْ يَسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَى عَيْنِهِ، وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُدَّعَى لَوْ كَانَ يَعْرِفُهُ الْقَاضِي حَكَمَ بِهِ دُونَ الْإِحْضَارِ، وَجَعَلَ هَذِهِ الصُّورَةَ كَالْمُسْتَثْنَاةِ عَنْ صُورَةِ وُجُوبِ الْإِحْضَارِ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ إِنْ أَرَادَ بِهِ الْعَبْدَ الْمَعْرُوفَ بَيْنَ النَّاسِ، فَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْعَقَارِ الْمَعْرُوفِ وَالْعَبْدِ الْمَشْهُورِ الْغَائِبِ عَنِ الْبَلَدِ، فَأَمَّا إِنِ اخْتَصَّ الْقَاضِي بِمَعْرِفَتِهِ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِصِدْقِ الْمُدَّعِي، وَحَكَمَ بِعِلْمِهِ تَفْرِيعًا عَلَى جَوَازِهِ، فَهُوَ قَرِيبٌ أَيْضًا، وَإِنْ حَكَمَ بِالْبَيِّنَةِ فَالْبَيِّنَةُ تَقُومُ عَلَى الصِّفَةِ، فَإِذَا لَمْ يَسْمَعِ الْبَيِّنَةَ [بِالصِّفَةِ] ، وَجَبَ أَنْ يَمْتَنِعَ الْحُكْمُ وَمَتَى أَوْجَبْنَا الْإِحْضَارَ، فَذَلِكَ إِذَا اعْتَرَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِاشْتِمَالِ يَدِهِ عَلَى مِثْلِ تِلْكَ الْعَيْنِ، وَإِنْ أَنْكَرَ اشْتِمَالَ يَدِهِ عَلَى غَيْرِ تِلْكَ الصِّفَةِ، صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ حَلَفَ كَانَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ، لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا هَلَكَتْ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَإِنْ نَكَلَ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute