فَرْعٌ
مَا حَكَمْنَا بِإِبَاحَتِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَدْ يَقْتَضِي الْإِكْثَارُ مِنْهُ رَدَّ الشَّهَادَةِ، لِكَوْنِهِ خَارِمًا لِلْمُرُوءَةِ فَمَنْ دَاوَمَ عَلَى اللَّعِبِ بِالشَّطْرَنْجِ وَالْحَمَامِ، رُدَّتْ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ مَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْمُرُوءَةِ، وَكَذَا مَنْ دَاوَمَ عَلَى الْغِنَاءِ أَوْ سَمَاعِهِ وَكَانَ يَأْتِي النَّاسَ وَيَأْتُونَهُ، أَوِ اتَّخَذَ جَارِيَةً أَوْ غُلَامًا لِيَتَغَنَّيَا لِلنَّاسِ، وَكَذَا الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الرَّقْصِ، وَضَرْبِ الدُّفِّ، وَكَذَا إِنْشَادُ الشِّعْرِ، وَاسْتِنْشَادُهُ إِذَا أَكْثَرَ مِنْهُ، فَتَرَكَ بِهِ مُهِمَّاتِهِ، كَانَ خَارِمًا لِلْمُرُوءَةِ، ذَكَرَهُ الْإِمَامُ، قَالَ: وَكَذَا لَوْ كَانَ الشَّاعِرُ يَكْتَسِبُ بِشِعْرِهِ.
وَالْمَرْجِعُ فِي الْمُدَاوَمَةِ وَالْإِكْثَارِ إِلَى الْعَادَةِ، وَيَخْتَلِفُ الْأَمْرُ فِيهِ بِعَادَاتِ النَّوَاحِي وَالْبِلَادِ، وَيُسْتَقْبَحُ مَنْ شَخْصٍ قَدْرٌ لَا يُسْتَقْبَحُ مَنْ غَيْرِهِ، وَلِلْأَمْكِنَةِ فِيهِ أَيْضًا تَأْثِيرٌ، فَاللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ فِي الْخَلْوَةِ مِرَارًا لَا يَكُونُ كَاللَّعِبِ بِهِ فِي سُوقٍ مَرَّةً عَلَى مَلَإٍ مِنَ النَّاسِ، وَهَلْ يُقَالُ عَلَى هَذَا: لَمَّا اسْتَمَرَّتِ الْعَادَةُ أَنَّ الشَّاعِرَ يَكْتَسِبُ بِشِعْرِهِ وَعَدَّ صَنْعَةَ الْغَنَاءِ حِرْفَةً وَمَكْسَبًا، فَالِاشْتِغَالُ بِهِ مِمَّنْ يَلِيقُ بِحَالِهِ، لَا يَكُونُ تَرْكًا لِلْمُرُوءَةِ؟ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَا يَلِيقُ بِهِ، وَقَدْ رَأَيْتُ مَا ذَكَرْتُهُ فِي الشَّاعِرِ يَكْتَسِبُ بِشِعْرِهِ لِابْنِ الْقَاصِّ.
مَا حَكَمْنَا بِتَحْرِيمِهِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، كَالنَّرْدِ وَسَمَاعِ الْأَوْتَارِ، وَلُبْسِ الْحَرِيرِ، وَالْجُلُوسِ عَلَيْهِ وَنَحْوِهَا، هَلْ هُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ فَتُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِمَرَّةٍ أَمْ مِنَ الصَّغَائِرِ، فَيُعْتَبَرُ الْمُدَاوَمَةُ وَالْإِكْثَارُ؟ وَجْهَانِ يَمِيلُ كَلَامُ الْإِمَامِ إِلَى أَوَّلِهِمَا، وَالْأَصَحُّ الثَّانِي، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ، وَزَادَ الْإِمَامُ، فَقَالَ: يُنْظَرُ إِلَى عَادَةِ الْبَلَدِ وَالْقُطْرِ، فَحَيْثُ يَسْتَعْظِمُونَ النَّرْدَ وَسَمَاعَ الْأَوْتَارِ تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute