للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَتَوَقَّفَ فِيهِ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ خَبَرٌ بِخِلَافِ الْكُوبَةِ. وَفِي تَحْرِيمِ الضَّرْبِ بِالْقَضِيبِ عَلَى الْوَسَائِدِ وَجْهَانِ، قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنَّ مَكْرُوهٌ لَا حَرَامَ، وَالرَّقْصُ لَيْسَ بِحَرَامٍ، قَالَ الْحَلِيمِيُّ: لَكِنَّ الرَّقْصَ الَّذِي فِيهِ تَثَنٍّ وَتَكَسُّرٌ يُشْبِهُ أَفْعَالَ الْمُخَنَّثِينَ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.

فَرْعٌ

إِنْشَاءُ الشِّعْرِ وَإِنْشَادُهُ وَاسْتِمَاعُهُ جَائِزٌ، فَلَوْ هَجَا الشَّاعِرُ فِي شِعْرِهِ وَلَوْ بِمَا هُوَ صَادِقٌ فِيهِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَلَيْسَ إِثْمُ حَاكِي الْهَجْوِ كَإِثْمِ مُنْشَئِهِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ التَّعْرِيضُ هَجْوًا كَالتَّصْرِيحِ، وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ: لَيْسَ التَّعْرِيضُ هَجْوًا، وَتُرَدُّ شَهَادَةُ الشَّاعِرِ إِذَا كَانَ يَفْحُشُ وَيُشَبِّبُ بِامْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا، أَوْ يَصِفُ أَعْضَاءً بَاطِنَةً، فَإِنْ شَبَّبَ بِجَارِيَتِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ، فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ، وَهَذَا الْقَائِلُ يَقُولُ: إِذَا لَمْ تَكُنِ الْمَرْأَةُ مُعَيَّنَةً، لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ يُرِيدُ مَنْ تَحِلُّ لَهُ، وَالصَّحِيحُ أَنْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ إِذَا ذَكَرَ جَارِيَتَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ بِمَا حَقُّهُ الْإِخْفَاءُ، لِسُقُوطِ مُرُوءَتِهِ.

وَلَوْ كَانَ يُشَبِّبُ بِغُلَامٍ، وَيَذْكُرُ أَنَّهُ يَعْشَقُهُ، قَالَ الرُّويَانِيُّ: يُفَسَّقُ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إِلَى الذُّكُورِ بِالشَّهْوَةِ حَرَامٌ بِكُلِّ حَالٍ. وَفِي «التَّهْذِيبِ» وَغَيْرِهِ اعْتِبَارُ التَّعْيِينِ فِي الْغُلَامِ كَالْمَرْأَةِ. وَإِنْ كَانَ يَمْدَحُ النَّاسَ وَيُطْرِي، نُظِرَ إِنْ أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى ضَرْبِ مُبَالَغَةٍ، جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَمْلُهُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَكَانَ كَذِبًا مَحْضًا، فَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ أَنَّهُ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْكَذِبِ، فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ إِنْ كَثُرَ مِنْهُ.

وَقَالَ الْقَفَّالُ، وَالصَّيْدَلَانِيُّ: لَا يَلْحَقُ بِالْكَذِبِ؛ لِأَنَّ الْكَاذِبَ يُوهِمُ الْكَذِبَ صِدْقًا بِخِلَافِ الشَّاعِرِ، فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، وَهَذَا حَسَنٌ بَالِغٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ عَلَى قِيَاسِهِ: إِنَّ التَّشْبِيبَ بِالنِّسَاءِ وَالْغِلْمَانِ بِغَيْرِ تَعْيِينٍ لَا يُخِلُّ بِالْعَدَالَةِ وَإِنْ كَثُرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ التَّشْبِيبَ صَنْعَةٌ، وَغَرَضُ الشَّاعِرِ تَحْسِينُ الْكَلَامِ لَا تَحْقِيقُ الْمَذْكُورِ، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ لَوْ سَمَّى امْرَأَةً لَا يَدْرِي مَنْ هِيَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>