للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دُعَاءُ النَّاسِ، وَتَآلُفُهُمْ لِلْإِضْرَارِ بِهِ وَالْوَقِيعَةِ فِيهِ، اقْتَضَى رَدَّ شَهَادَتِهِ عَلَيْهِ، وَمُجَرَّدُ هَذَا لَا يَقْتَضِيهِ، وَلَيْسَ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ أَنْ يُحِبَّ الرَّجُلُ قَوْمَهُ وَعِتْرَتَهُ، فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُمْ، وَشَهَادَتُهُمْ لَهُ، وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِصَدِيقِهِ وَأَخِيهِ وَإِنْ كَانَ يَصِلُهُ وَيَبَرُّهُ.

فَرْعٌ

فِي شَهَادَةِ الْمُبْتَدَعِ. جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ لَا يُكَفِّرُونَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، لَكِنِ اشْتَهَرَ عَنِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَكْفِيرُ الَّذِينَ يَنْفُونَ عِلْمَ اللَّهِ - تَعَالَى - بِالْمَعْدُومِ، وَيَقُولُونَ: مَا يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ حَتَّى يَخْلُقَهَا، وَنَقَلَ الْعِرَاقِيُّونَ عَنْهُ تَكْفِيرَ النَّاهِينَ لِلرُّؤْيَةِ وَالْقَائِلِينَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَتَأَوَّلَهُ الْإِمَامُ، فَقَالَ: ظَنِّي أَنَّهُ نَاظَرَ بَعْضَهُمْ، فَأَلْزَمَهُ الْكُفْرَ فِي الْحِجَاجِ، فَقِيلَ: إِنَّهُ كَفَّرَهُمْ.

قُلْتُ: أَمَّا تَكْفِيرُ مُنْكِرِي الْعِلْمِ بِالْمَعْدُومِ أَوْ بِالْجُزْئِيَّاتِ، فَلَا شَكَّ فِيهِ، وَأَمَّا مَنْ نَفَى الرُّؤْيَةَ أَوْ قَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، فَالْمُخْتَارُ تَأْوِيلُهُ، وَسَنَنْقُلُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ مَا يُؤَيِّدُهُ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ حَسَنٌ، وَقَدْ تَأَوَّلَهُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْفَقِيهُ الْأُصُولِيُّ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَآخَرُونَ تَأْوِيلَاتٍ مُتَعَارِضَةً، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْكُفْرِ الْإِخْرَاجَ مِنَ الْمِلَّةِ، وَتَحَتُّمَ الْخُلُودِ فِي النَّارِ. وَهَكَذَا تَأَوَّلُوا مَا جَاءَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ مِنْ إِطْلَاقِ هَذَا اللَّفْظِ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُمْ لَمْ يُلْحِقُوهُمْ بِالْكُفَّارِ فِي الْإِرْثِ وَالْأَنْكِحَةِ، وَوُجُوبِ قَتْلِهِمْ وَقِتَالِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ مَنْ كَفَرَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَأَمَّا مَنْ لَا يُكَفِّرُهُ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ، فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي «الْأُمِّ» وَ «الْمُخْتَصَرِ» عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ إِلَّا الْخَطَّابِيَّةَ وَهُمْ قَوْمٌ يَرَوْنَ جَوَازَ

<<  <  ج: ص:  >  >>