يُفْهِمُ كَلَامُهُ اخْتِصَاصَ الْخِلَافِ بِرَدِّ تِلْكَ الشَّهَادَةِ وَحْدَهَا إِذَا أَعَادَهَا، فَقَدْ قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَإِذَا قُلْنَا: يَصِيرُ مَجْرُوحًا لَا يُشْتَرَطُ اسْتِبْرَاءُ حَالِهِ حَتَّى لَوْ شَهِدَ فِي حَادِثَةٍ أُخْرَى تُقْبَلُ، فَأَشْعَرَ كَلَامُهُ بِاخْتِصَارِ الْخِلَافِ.
فَرْعٌ
تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنِ احْتَبَى وَجَلَسَ فِي زَاوِيَةٍ مُحْتَبِيًا لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ، وَلَا تُحْمَلُ عَلَى الْحِرْصِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ قَدْ تَدْعُو إِلَيْهِ، وَحَكَى الْفُورَانِيُّ قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ، وَهُوَ شَاذٌّ، قَالَ: وَعَلَى الْمَشْهُورِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْبِرَ الْخَصْمُ أَنِّي شَهِدْتُ عَلَيْكَ لِئَلَّا يُبَادِرَ إِلَى تَكْذِيبِهِ، فَيُعَزِّرَهُ الْقَاضِي. وَلَوْ قَالَ رَجُلَانِ لِثَالِثٍ: تَوَسَّطْ بَيْنَنَا لِنَتَحَاسَبَ وَنَتَصَادَقَ، فَلَا تَشْهَدْ عَلَيْنَا بِمَا يَجْرِي، فَهَذَا شَرْطٌ بَاطِلٌ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ، وَهُوَ مَا تَمَحَّضَ حَقًّا لِلَّهِ - تَعَالَى -، أَوْ كَانَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ مُتَأَكِّدٌ لَا يَتَأَثَّرُ بِرِضَى الْآدَمِيِّ، فَمِنْهُ الطَّلَاقُ، وَأَمَّا الْخُلْعُ، فَأَطْلَقَ الْبَغَوِيُّ الْمَنْعَ فِيهِ، وَقَالَ الْإِمَامُ: يُقْبَلُ فِي الْفُرَاقِ دُونَ الْمَالِ، قَالَ: وَلَا أُبْعِدُ ثُبُوتَهُ تَبَعًا، وَلَا إِثْبَاتَ الْفِرَاقِ دُونَ الْبَيْنُونَةِ، وَمِنْهُ الْعِتْقُ وَالِاسْتِيلَادُ دُونَ التَّدْبِيرِ، وَيُقْبَلُ فِي الْعِتْقِ بِالتَّدْبِيرِ، وَلَا يُقْبَلُ فِي الْكِتَابَةِ، فَإِنْ أَدَّى النَّجْمَ الْأَخِيرَ، شَهِدَ بِالْعِتْقِ.
وَفِي شِرَاءِ الْقَرِيبِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ فِيهِ لِحَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَأَصَحُّهُمَا: لَا، لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ بِالْمِلْكِ. وَمِنْهُ الْعَفْوُ عَنِ الْقِصَاصِ، وَالصَّحِيحُ قَبُولُهَا فِيهِ، وَمِنْهُ الْوَصِيَّةُ وَالْوَقْفُ إِذَا كَانَا لِجِهَةٍ عَامَّةٍ، فَإِنْ كَانَ لِجِهَةٍ خَاصَّةٍ، فَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ، وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنِ الْجُمْهُورِ لِتَعَلُّقِهِ بِحُظُوظٍ خَاصَّةٍ، وَمِنْهُ تَحْرِيمُ الرَّضَاعِ وَالنَّسَبِ وَفِي النَّسَبِ وَجْهٌ، وَمِنْهُ بَقَاءُ الْعِدَّةِ وَانْقِضَاؤُهَا، وَتَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ، وَكَذَا الزَّكَوَاتُ وَالْكَفَّارَاتُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute