للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذَكَرَهُ الْعَبَّادِيُّ فِي «الرَّقْمِ» : أَنَّهُ يُكْتَبُ الْأَجْرُ لِكُلِّ وَارِثٍ مُدَّةَ حَيَّاتِهِ، ثُمَّ بَعْدَهُ لِمَنْ بَعْدَهُ، وَلَوْ دَفَعَ إِلَى بَعْضِ الْوَارِثِينَ عِنْدَ انْتِهَاءِ الِاسْتِحْقَاقِ إِلَيْهِ، خَرَجَ عَنْ مَظْلِمَةِ الْجَمِيعِ فِيمَا سَوَّفَ وَمَطَلَ. وَأَمَّا التَّوْبَةُ فِي الظَّاهِرِ، فَالْمَعَاصِي تَنْقَسِمُ إِلَى فِعْلِيَّةٍ وَقَوْلِيَّةٍ، أَمَّا الْفِعْلِيَّةُ، كَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ، فَإِظْهَارُ التَّوْبَةِ مِنْهَا لَا يَكْفِي فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وُعَوْدِ الْوِلَايَةِ، بَلْ يُخْتَبَرُ مُدَّةً يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ فِيهَا أَنَّهُ قَدْ أَصْلَحَ عَمَلَهُ وَسَرِيرَتَهُ، وَأَنَّهُ صَادِقٌ فِي تَوْبَتِهِ، وَفِي تَقْدِيرِ هَذِهِ الْمُدَّةِ أَوْجُهٌ: الْأَكْثَرُونَ أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَالثَّانِي: سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَنَسَبُوهُ إِلَى النَّصِّ، وَالثَّالِثُ: لَا يَتَقَدَّرُ بِمُدَّةٍ إِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ حُصُولُ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِصِدْقِهِ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِالْأَشْخَاصِ، وَأَمَارَاتِ الصِّدْقِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْإِمَامِ وَالْعَبَّادِيِّ وَالْغَزَالِيِّ.

وَأَمَّا الْقَوْلِيَّةُ، فَمِنْهَا الْقَذْفُ، وَيُشْتَرَطُ فِي التَّوْبَةِ مِنْهُ الْقَوْلُ، كَمَا أَنَّ التَّوْبَةَ مِنَ الرِّدَّةِ بِكَلِمَتِيِ الشَّهَادَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: التَّوْبَةُ مِنْهُ إِكْذَابُهُ نَفْسَهُ، فَأَخَذَ الْإِصْطَخْرِيُّ بِظَاهِرِهِ، وَشَرَطَ أَنْ يَقُولَ: كَذَبْتُ فِيمَا قَذَفْتُ، وَلَا أَعُودُ إِلَى مِثْلِهِ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا يُكَلَّفُ أَنْ يَقُولَ: كَذَبْتُ، فَرُبَّمَا كَانَ صَادِقًا، فَكَيْفَ نَأْمُرُهُ بِالْكَذِبِ؟ وَلَكِنْ يَقُولُ: الْقَذْفُ بَاطِلٌ وَإِنِّي نَادِمٌ عَلَى مَا فَعَلْتُ، وَلَا أَعُودُ إِلَيْهِ، أَوْ يَقُولُ: مَا كُنْتُ مُحِقًّا فِي قَذْفِي، وَقَدْ تُبْتُ مِنْهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.

وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْقَذْفُ عَلَى سَبِيلِ السَّبِّ وَالْإِيذَاءِ، وَالْقَذْفُ عَلَى صُورَةِ الشَّهَادَةِ إِذَا لَمْ يَتِمَّ عَدَدُ الشُّهُودِ، إِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ شَهِدَ، فَإِنْ لَمْ نُوجِبْ، فَلَا حَاجَةَ بِالشَّاهِدِ إِلَى التَّوْبَةِ. وَيُشْبِهُ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي هَذَا الْإِكْذَابِ كَوْنُهُ عِنْدَ الْقَاضِي. ثُمَّ إِذَا تَابَ بِالْقَوْلِ، فَهَلْ يَسْتَبْرِئُ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ إِذَا كَانَ عَدْلًا قَبْلَ الْقَذْفِ؟ يُنْظَرُ إِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>