كَانَ الْقَذْفُ عَلَى صُورَةِ الشَّهَادَةِ لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ كَانَ قَذْفَ سَبٍّ وَإِيذَاءٍ، اشْتُرِطَ عَلَى الْمَذْهَبِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ اشْتِرَاطَ التَّوْبَةِ بِالْقَوْلِ فِي الْقَذْفِ مُشْكِلٌ، وَإِلْحَاقَهُ بِالرِّدَّةِ ضَعِيفٌ، فَإِنَّ اشْتِرَاطَ كَلِمَتِيِ الشَّهَادَةِ مُطَّرِدٌ فِي الرِّدَّةِ الْقَوْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ، كَإِلْقَاءِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ، ثُمَّ مُقْتَضَى مَا ذَكَرُوهُ فِي الْقَذْفِ أَنْ يُشْتَرَطَ التَّوْبَةُ بِالْقَوْلِ فِي سَائِرِ الْمَعَاصِي الْقَوْلِيَّةِ، كَشَهَادَةِ الزُّورِ وَالْغَيْبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ «الْمُهَذَّبِ» بِذَلِكَ فِي شَهَادَةِ الزُّورِ، فَقَالَ: التَّوْبَةُ مِنْهَا أَنْ يَقُولَ: كَذَبْتُ فِيمَا فَعَلْتُ وَلَا أَعُودُ إِلَى مِثْلِهِ.
فُرُوعٌ
لَوْ قَذَفَ وَأَتَى بِبَيِّنَةٍ عَلَى زِنَى الْمَقْذُوفِ، فَوَجْهَانِ، حَكَاهُمَا الْإِمَامُ، أَحَدُهُمَا: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْذِفَ، ثُمَّ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ، بَلْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِيءَ مَجِيءَ الشُّهُودِ، وَالصَّحِيحُ الْقَبُولُ؛ لِأَنَّ صِدْقَهُ قَدْ تَحَقَّقَ بِالْبَيِّنَةِ، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوِ اعْتَرَفَ الْمَقْذُوفُ، وَكَذَا لَوْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ وَلَاعَنَ، وَسَوَاءٌ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ، وَكَيْفِيَّةِ التَّوْبَةِ قَذَفَ مُحْصَنًا أَوْ غَيْرُهُ حَتَّى لَوْ قَذَفَ عَبْدَ نَفْسِهِ، رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَيَكْفِي تَحْرِيمُ الْقَذْفِ سَبَبًا لِلرَّدِّ، وَشَاهِدُ الزُّورِ يَسْتَبْرِئُ، كَسَائِرِ الْفَسَقَةِ فَإِذَا ظَهَرَ صَلَاحُهُ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ، وَمَنْ غَلِطَ فِي شَهَادَةٍ لَا يُشْتَرَطُ اسْتِبْرَاؤُهُ، وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي غَيْرِ وَاقِعَةِ الْغَلَطِ، وَلَا تُقْبَلُ فِيهَا.
قُلْتُ: التَّوْبَةُ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ الْمُهِمَّةِ، وَقَوَاعِدِ الدِّينِ، وَأَوَّلُ مَنَازِلِ السَّالِكِينَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ) فَالتَّوْبَةُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ بِالِاتِّفَاقِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ صِفَتُهَا، وَتَصِحُّ التَّوْبَةُ مِنْ ذَنْبٍ وَإِنْ كَانَ مُلَابِسًا ذَنْبًا آخَرَ مُصِرًّا عَلَيْهِ، وَلَوْ تَابَ مِنْ ذَنْبٍ، ثُمَّ فَعَلَهُ مَرَّةً أُخْرَى، لَمْ تَبْطُلِ التَّوْبَةُ، بَلْ هُوَ مُطَالَبٌ بِالذَّنْبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute