الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ.
وَلَوْ تَكَرَّرَتِ التَّوْبَةُ، وَمُعَاوَدَةُ الذَّنْبِ، صَحَّتْ، هَذَا مَذْهَبُ الْحَقِّ فِي الْمُسْلِمِينَ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ. قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي «الْإِرْشَادِ» : وَالْقَتْلُ الْمُوجِبُ لِلْقَوَدِ تَصِحُّ التَّوْبَةُ مِنْهُ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْقَاتِلِ نَفْسَهُ لِيُقْتَصَّ مِنْهُ، فَإِذَا نَدِمَ، صَحَّتْ تَوْبَتُهُ فِي حَقِّ اللَّهِ - تَعَالَى -، وَكَانَ مَنْعُهُ الْقِصَاصَ مِنْ مُسْتَحَقِّهِ مَعْصِيَةً مُجَدَّدَةً، وَلَا يَقْدَحُ فِي التَّوْبَةِ، بَلْ يَقْتَضِي تَوْبَةً مِنْهَا.
وَمَنْ تَابَ عَنْ مَعْصِيَةٍ ثُمَّ ذَكَرَهَا قَالَ الْإِمَامُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنِ الْبَاقِلَّانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَجِبُ عَلَيْهِ تَجْدِيدُ النَّدَمِ عَلَيْهَا كُلَّمَا ذَكَرَهَا إِذْ لَوْ لَمْ يَنْدَمْ، لَكَانَ مُسْتَهِينًا بِهَا، وَذَلِكَ يُنَافِي النَّدَمَ. وَاخْتَارَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ، وَلَا يَلْزَمُ مَنْ ذَكَرَهَا بِلَا نَدَمٍ الِاسْتِهَانَةُ، بَلْ قَدْ يَذْكُرُ، وَيَعْرِضُ عَنْهَا.
قَالَ الْقَاضِي: وَإِذَا لَمْ يُجَدِّدِ التَّوْبَةَ كَانَ ذَلِكَ مَعْصِيَةً جَدِيدَةً، وَالتَّوْبَةُ الْأُولَى صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ الْمَاضِيَةَ لَا يَنْقُضُهَا شَيْءٌ بَعْدَ فَرَاغِهَا، قَالَ: فَيَجِبُ تَجْدِيدُ تَوْبَةٍ عَنْ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ، وَتَجِبُ تَوْبَةُ مَنْ تَرَكَ التَّوْبَةَ إِذَا حَكَمْنَا بِوُجُوبِهَا. قَالَ الْإِمَامُ: وَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ، فَلَيْسَ إِسْلَامُهُ تَوْبَةً عَنْ كُفْرِهِ، وَإِنَّمَا تَوْبَتُهُ نَدَمُهُ عَلَى كُفْرِهِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُؤْمِنَ وَلَا يَنْدَمَ عَلَى كُفْرِهِ، بَلْ تَجِبُ مُقَارَنَةُ الْإِيمَانِ لِلنَّدَمِ عَلَى الْكُفْرِ، ثُمَّ وِزْرُ الْكُفْرِ يَسْقُطُ بِالْإِيمَانِ، وَالنَّدَمُ عَلَى الْكُفْرِ بِالْإِجْمَاعِ، هَذَا مَقْطُوعٌ، وَمَا سِوَاهُ مِنْ ضُرُوبِ التَّوْبَةِ، فَقَبُولُهُ مَظْنُونٌ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ، وَقَدْ أَجْمَعْتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا أَسْلَمَ وَتَابَ عَنْ كُفْرِهِ، صَحَّتْ تَوْبَتُهُ، وَإِنِ اسْتَدَامَ مَعَاصِيَ أُخَرَ، هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَنَّ الْقَبُولَ مَظْنُونٌ هُوَ الصَّحِيحُ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ مُتَكَلِّمِي أَصْحَابِنَا: هُوَ مَقْطُوعٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute