خَمْسَةُ قُيُودٍ.
الْأَوَّلُ: التَّعْيِينُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَاقِعَةِ إِلَّا شَاهِدَانِ بِأَنْ لَمْ يَتَحَمَّلْ سِوَاهُمَا، أَوْ مَاتَ الْبَاقُونَ، أَوْ جُنُّوا، أَوْ فُسِّقُوا، أَوْ غَابُوا، لَزِمَهُمَا الْأَدَاءُ، فَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا، وَامْتَنَعَ الْآخَرُ، وَقَالَ لِلْمُدَّعِي: احْلِفْ مَعَ الشَّاهِدِ، عَصَا، وَكَذَا الشَّاهِدَانِ عَلَى رَدِّ الْوَدِيعَةِ لَوِ امْتَنَعَا، وَقَالَ لِلْمُوْدَعِ: احْلِفْ عَلَى الرَّدِّ، عَصَيَا؛ لِأَنَّ مِنْ مَقَاصِدِ الْإِشْهَادِ التَّوَرُّعَ عَنِ الْيَمِينِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْوَاقِعَةِ إِلَّا شَاهِدٌ، فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، لَزِمَهُ الْأَدَاءُ، وَإِلَّا فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ.
وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَجْهًا فِي لُزُومِهِ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَعُ فِي انْدِفَاعِ بَعْضِ تُهْمَةِ الْكَذِبِ. وَإِنْ كَانَ فِي الْوَاقِعَةِ شُهُودٌ، فَالْأَدَاءُ عَلَيْهِمْ فَرْضُ كِفَايَةٍ إِذَا فَعَلَهُ اثْنَانِ مِنْهُمْ، سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ، وَإِنْ طَلَبَ الْأَدَاءَ مِنَ اثْنَيْنِ، فَفِي وُجُوبِ الْإِجَابَةِ عَلَيْهِمَا وَجْهَانِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاصِّ قَوْلَانِ، أَصَحُّهُمَا: الْوُجُوبُ، وَلَيْسَ مَوْضِعُ الْخِلَافِ مَا إِذَا عَلِمْنَا مِنْ حَالِهِمْ رَغْبَةً أَوْ إِبَاءً.
الْقَيْدُ الثَّانِي: كَوْنُهُ مُتَحَمِّلًا عَنْ قَصْدٍ، أَمَّا مَنْ سَمِعَ الشَّيْءَ، أَوْ وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا، فَالْأَصَحُّ الْمُوَافِقُ لِإِطْلَاقِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ أَيْضًا، لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ وَشَهَادَةٌ عِنْدِهِ، وَالثَّانِي: لَا، لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ.
الْقَيْدُ الثَّالِثُ: أَنْ يُدْعَى لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ مِنْ مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ، وَمَتَى كَانَ الْقَاضِي فِي الْبَلَدِ فَالْمَسَافَةُ قَرِيبَةٌ، وَكَذَا لَوْ دُعِيَ إِلَى مَسَافَةٍ يَتَمَكَّنَّ الْمُبَكِّرُ إِلَيْهَا مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمِهِ، وَإِنْ دُعِيَ إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمْ تَجِبِ الْإِجَابَةُ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا لَمْ تَجِبْ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَهَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهُوَ أَنَّ الشَّاهِدَ يَلْزَمُهُ الْحُضُورُ إِلَى الْقَاضِي لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَعَنِ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الشَّاهِدِ إِلَّا أَدَاءُ الشَّهَادَةِ إِنِ اجْتَمَعَ هُوَ وَالْقَاضِي.
الْقَيْدُ الرَّابِعُ: كَوْنُ الشَّاهِدِ عَدْلًا، فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا، وَدُعِيَ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ نُظِرَ إِنْ كَانَ فِسْقُهُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، ظَاهِرًا أَوْ خَفِيًّا، حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute