الْحَالُ الثَّانِي: أَنْ يَنْكِلُوا جَمِيعًا عَنِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، فَالدَّارُ تَرِكَةٌ يُقْضَى مِنْهَا الدَّيْنُ وَالْوَصِيَّةُ، وَيُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَ الْوَرَثَةِ، وَيَكُونُ حِصَّةُ الْمُدَّعِينَ وَقْفًا بِإِقْرَارِهِمْ، وَحِصَّةُ سَائِرِ الْوَرَثَةِ طَلْقًا لَهُمْ، فَإِذَا مَاتَ الْمُدَّعُونَ، لَمْ يُصْرَفْ نَصِيبُهُمْ إِلَى أَوْلَادِهِمْ عَلَى سَبِيلِ الْوَقْفِ إِلَّا بِيَمِينٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: يُصْرَفُ إِلَيْهِمْ وَقْفًا بِلَا يَمِينٍ، وَلَوْ أَرَادَ الْأَوْلَادُ أَنْ يَحْلِفُوا وَيَأْخُذُوا جَمِيعَ الدَّارِ وَقْفًا، فَلَهُمْ ذَلِكَ عَلَى الْأَظْهَرِ، لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ حَقٍّ، فَإِذَا أَبْطَلَ آبَاؤُهُمْ حَقَّهُمْ بِالنُّكُولِ، فَلَهُمْ أَنْ لَا يُبْطِلُوا حَقَّهُمْ، وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ، سَوَاءٌ قُلْنَا: لَوْ لَمْ يَحْلِفُوا لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهَا وَقْفًا، أَمْ قُلْنَا: حِصَّةُ الْأَوَّلِينَ تَبْقَى وَقْفًا، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفُوا، وَهَلْ يَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي حَيَاةِ الْأَوَّلِينَ إِذَا نَكَلُوا؟ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، لِبُطْلَانِ حَقِّهِمْ، وَتَعَذُّرِ الصَّرْفِ إِلَيْهِمْ بِنُكُولِهِمْ، كَمَا لَوْ مَاتُوا، وَأَصَحُّهُمَا: لَا؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْبَطْنِ الثَّانِي شَرْطُهُ انْقِرَاضُ الْأَوَّلِ.
الْحَالُ الثَّالِثُ: أَنْ يَحْلِفَ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ، فَإِذَا حَلَفَ وَاحِدٌ، وَنَكَلَ اثْنَانِ، أَخَذَ الْحَالِفُ الثُّلُثَ وَقْفًا، وَأَمَّا الْبَاقِي، فَهُوَ تَرِكَةٌ تُقْضَى مِنْهَا الدُّيُونُ وَالْوَصَايَا، فَمَا فَضَلَ، فَفِيهِ وَجْهَانِ، قَالَ فِي «الشَّامِلِ» : يُقَسَّمُ بَيْنَ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، فَمَا خَصَّ الْبَنِينَ الثَّلَاثَةَ كَانَ وَقْفًا عَلَى النَّاكِلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ مُعْتَرِفٌ لَهُمَا بِذَلِكَ.
وَالْأَصَحِّ وَبِهِ قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَ الْمُنْكِرِينَ مِنَ الْوَرَثَةِ وَاللَّذَيْنِ نَكَلَا دُونَ الْحَالِفِ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِانْحِصَارِ حَقِّهِ فِيمَا أَخَذَ، ثُمَّ حِصَّةُ النَّاكِلَيْنِ تَكُونُ وَقْفًا بِإِقْرَارِهِمَا، فَإِذَا مَاتَ النَّاكِلَانِ وَالْحَالِفُ حَيٌّ، فَنُصِيبُهُمَا لِلْحَالِفِ عَلَى مَا شَرَطَ الْوَاقِفُ بِإِقْرَارِهِمَا، وَفِي اشْتِرَاطِ يَمِينِهِ الْوَجْهَانِ، فَإِذَا مَاتَ الْحَالِفُ، فَالِاسْتِحْقَاقُ لِلْبَطْنِ الثَّانِي، وَفِي حَلِفِهِمُ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ مَيِّتًا عِنْدَ مَوْتِ النَّاكِلَيْنِ، فَأَرَادَ أَوْلَادُهُمَا أَنْ يَحْلِفُوا، فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي أَوْلَادِ الْجَمِيعِ إِذَا نَكَلُوا، الْأَظْهَرُ لَهُمُ الْحَلِفُ، وَفِي نَصِيبِ الْحَالِفِ الْمَيِّتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute