الْجَهْلُ بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُعْلَمُ، وَوَثِقَ بِهِ الْقَاضِي، جَازَ أَنْ يُكْتَفَى بِقَوْلِهِ: أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ بِكَذَا، وَيُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَهُ بِأَيِّ سَبَبٍ ثَبَتَ هَذَا الْمَالُ، وَهَلْ أَخْبَرَكَ بِهِ الْأَصْلُ؟ هَذَا إِذَا لَمْ يُبَيِّنِ السَّبَبَ.
الطَّرَفُ الثَّانِي فِي صِفَاتِ شَاهِدِ الْأَصْلِ، وَمَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ. لَا يَصِحُّ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَةِ فَاسِقٍ، أَوْ كَافِرٍ، أَوْ عَبْدٍ، أَوْ صَبِيٍّ، أَوْ عَدُوٍّ، لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَقْبُولَيِ الشَّهَادَةَ، فَلَوْ تَحَمَّلَ وَالْأَصْلُ بِصِفَاتِ الشُّهُودِ، ثُمَّ طَرَأَ مَا يَمْنَعُ قَبُولَهَا، أَوِ الْوُصُولَ إِلَيْهَا، نُظِرَ إِنْ كَانَ الطَّارِئُ مَوْتًا أَوْ غَيْبَةً أَوْ مَرَضًا، لَمْ يُؤَثِّرْ، وَإِنْ عَرَضَ فِسْقٌ أَوْ عَدَاوَةٌ أَوْ رِدَّةٌ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْفَرْعِ مَا دَامَتْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ بِالْأَصْلِ، فَإِنْ زَالَتْ هَلْ يَشْهَدُ الْفَرْعُ بِالتَّحَمُّلِ الْأَوَّلِ، أَمْ يُشْتَرَطُ تَحَمُّلٌ جَدِيدٌ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي، قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَصَحَّحَهُ الْإِمَامُ. وَلَوْ حَدَثَ الْفِسْقُ، أَوِ الرِّدَّةُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ، وَقَبْلَ الْقَضَاءِ امْتَنَعَ الْقَضَاءُ، وَلَوْ طَرَأَ عَلَى الْأَصْلِ جُنُونٌ، فَقِيلَ: تَبْطُلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ كَالْفِسْقِ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ: لَا أَثَرَ لَهُ، كَالْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوقِعُ رِيبَةً فِيمَا مَضَى، وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَا لَوْ عَمِيَ، وَأَوْلَى بِأَنْ لَا يُؤَثِّرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبْطِلُ أَهْلِيَّةَ الشَّهَادَةِ بِالْكُلِّيَّةِ. وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، قَالَ الْإِمَامُ: إِنْ كَانَ غَائِبًا لَمْ يُؤَثِّرْ، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا، لَمْ يَشْهَدِ الْفَرْعُ، بَلْ يَنْتَظِرُ زَوَالَهُ؛ لِأَنَّهُ قَرِيبُ الزَّوَالِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الْجَوَازُ كَذَلِكَ فِي (كُلِّ) مَرَضٍ يُتَوَقَّعُ زَوَالُهُ، كَتَوَقُّعِ زَوَالِ الْإِغْمَاءِ.
قُلْتُ: لَيْسَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، بَلِ الصَّوَابُ أَنَّ الْمَرَضَ لَا يُلْحَقُ بِالْإِغْمَاءِ، وَإِنْ تَوَقَّعَ زَوَالَهُ قَرِيبًا؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ بِخِلَافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَا أَثَرَ لِحُدُوثِ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَ الْفَرْعُ فِي غَيْبَةِ الْأَصْلِ، ثُمَّ حَضَرَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، لَمْ يُؤَثِّرْ، وَإِنْ حَضَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute