قَالَ صَاحِبُ (التَّهْذِيبِ) : وَلَوْ صَلَّوْا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ صَلَاةَ عُسْفَانَ، اطَّرَدَ الْقَوْلَانِ. وَلَوْ صَلَّوْا صَلَاةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ، فَإِنْ جَوَّزْنَاهَا فِي حَالِ الْأَمْنِ، فَهُنَا أَوْلَى، وَإِلَّا جَرَى الْقَوْلَانِ.
فَرْعٌ
لَوْ كَانَ يُصَلِّي مُتَمَكِّنًا عَلَى الْأَرْضِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فَحَدَثَ خَوْفٌ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَرَكِبَ، فَطَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: عَلَى قَوْلَيْنِ. أَحَدُهُمَا: تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فَيَسْتَأْنِفُ. وَالثَّانِي: لَا تَبْطُلُ فَيَبْنِي. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ: أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا إِلَى الرُّكُوبِ وَكَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ وَإِتْمَامِ الصَّلَاةِ رَاجِلًا، فَرَكِبَ احْتِيَاطًا، وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ. وَإِنِ اضْطُرَّ بَنَى. وَعَلَى هَذَا: إِنْ قَلَّ فِعْلُهُ فِي رُكُوبِهِ، بَنَى بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَثُرَ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْعَمَلِ الْكَثِيرِ لِلْحَاجَةِ. أَمَّا إِذَا كَانَ يُصَلِّي رَاكِبًا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ، فَأَمِنَ وَنَزَلَ، فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَبْنِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: إِنْ حَصَلَ فِي نُزُولِهِ فِعْلٌ قَلِيلٌ، بَنَى، وَإِنْ كَثُرَ، فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ. قَالَ صَاحِبُ (الشَّامِلِ) وَغَيْرُهُ: يُشْتَرَطُ فِي بِنَاءِ النَّازِلِ أَنْ لَا يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ فِي نُزُولِهِ، فَإِنِ اسْتَدْبَرَ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ.
قُلْتُ: صَرَّحَ أَيْضًا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ (الْمُهَذَّبِ) وَآخَرُونَ، بِأَنَّهُ إِذَا اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ فِي نُزُولِهِ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَسْتَدْبِرْهَا، بَلِ انْحَرَفَ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَهُوَ مَكْرُوهٌ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَعَلَى أَنَّهُ إِذَا أَمِنَ، وَجَبَ النُّزُولُ فِي الْحَالِ، فَإِنْ أَخَّرَ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute