فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَنْصَرِفُ، نُظِرَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، فَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ إِلَيْهِ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي، وَأَخَذَ الْمَالَ مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ إِذَا عَادَ الْغَائِبُ، وَصَدَّقَ الْمُقِرَّ، رُدَّ الْمَالُ عَلَيْهِ بِلَا حُجَّةٍ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ بِإِقْرَارِ صَاحِبِ الْيَدِ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْمُدَّعِي الْخُصُومَةَ مَعَهُ، وَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى الْحَاضِرِ، أَخَذَ الْمَالَ مِنْ يَدِهِ أَيْضًا، وَهَلْ هُوَ قَضَاءٌ عَلَى الْحَاضِرِ الَّذِي تَجْرِي الْخُصُومَةُ مَعَهُ، أَمْ عَلَى الْغَائِبِ لِأَنَّ الْمَالَ بِمُقْتَضَى الْإِقْرَارِ لَهُ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: الْأَوَّلُ، وَلَا يَحْتَاجُ الْمُدَّعِي مَعَ الْبَيِّنَةِ إِلَى الْيَمِينِ، وَيُثْبِتُ الْقَاضِي فِي السِّجِلِّ أَنَّهُ قَضَى لَهُ بِالْبَيِّنَةِ بَعْدَمَا أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ، لِيَكُونَ الْغَائِبُ عَلَى حُجَّتِهِ، وَإِذَا عَادَ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ، قَضَى لَهُ لِتَرَجُّحِ جَانِبِهِ بِالْيَدِ، وَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا، أُقِرَّ الْمَالُ فِي يَدِ الْمُدَّعِي، فَإِنِ الْتَمَسَ مِنَ الْقَاضِي أَنْ يُزِيدَ فِي السِّجِلِّ أَنَّ الْغَائِبَ قَدِمَ، وَلَمْ يَأْتِ بِبَيِّنَةٍ، أَجَابَهُ إِلَيْهِ، وَإِنْ قُلْنَا: تَنْصَرِفُ الْخُصُومَةُ عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، وَقَفَ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ يَحْضُرَ الْغَائِبُ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ، قُضِيَ لَهُ بِالْمَالِ، وَهَلْ هُوَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ، وَيَحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى الْيَمِينِ، أَمْ عَلَى الْحَاضِرِ الَّذِي تَجْرِي الْخُصُومَةُ مَعَهُ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَيْهَا؟ وَجْهَانِ، رَجَّحَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالرُّويَانِيُّ الثَّانِي، وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَقْوَى وَأَلْيَقُ بِالْوَجْهِ الْمُفَرَّعِ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ، هَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَقُمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ الْمَالَ لِلْغَائِبِ، فَإِنْ أَقَامَهَا، نُظِرَ إِنِ ادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَةِ الْغَائِبِ، وَأَثْبَتَ الْوَكَالَةَ فَبَيَّنَتُهُ عَلَى أَنَّ الْمَالَ لِلْغَائِبِ مَسْمُوعَةٌ مُرَجَّحَةٌ عَلَى بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي. وَإِنْ لَمْ يُثْبِتِ الْوَكَالَةَ، فَذَكَرَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ، أَصَحُّهَا: لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ، فَعَلَى هَذَا الْحُكْمِ كَمَا لَوْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً. وَالثَّانِي: تُسْمَعُ، وَالثَّالِثُ: إِنِ اقْتَصَرَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَنَّهُ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ، لَمْ تُسْمَعْ، وَإِنْ تَعَرَّضَتْ مَعَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ فِي يَدِ الْمُدَّعَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute