غَابَ الْعَبْدُ أَوْ مَاتَ، صُدِّقَ الْمُعْتِقُ بِيَمِينِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: فِي الْمُصَدَّقِ قَوْلَانِ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: الطَّرِيقَانِ فِيمَا إِذَا ادَّعَى النَّقْصَ فِي الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ، أَمَّا إِذَا ادَّعَاهُ فِي الْبَاطِنَةِ، فَقَوْلَانِ كَالصُّورَةِ الْآتِيَةِ، لِتَمَكُّنِ الشَّرِيكِ مِنَ الْبَيِّنَةِ عَلَى سَلَامَةِ الظَّاهِرَةِ. وَإِنِ ادَّعَى حُدُوثَ عَيْبٍ بَعْدَ السَّلَامَةِ، بِأَنْ زَعَمَ ذَهَابَ بَصَرِهِ أَوْ سَرِقَتَهُ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُصَدَّقَ الشَّرِيكُ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ، وَخَصَّ بَعْضُهُمُ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا يُشَاهَدُ وَيُطَّلَعُ عَلَيْهِ، وَقَطَعَ فِيمَا لَا يُشَاهَدُ بِتَصْدِيقِ الشَّرِيكِ لِعُسْرِ إِثْبَاتِهِ بِبَيِّنَةٍ.
الرَّابِعَةُ: لَوْ مَاتَ الْمُعْتِقُ قَبْلَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ، أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ. وَلَوْ أَعْسَرَ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ وَمَاتَ مُعْسِرًا، فَإِنْ أَثْبَتْنَا الْإِعْتَاقَ بِنَفْسِ اللَّفْظِ، فَالْقِيمَةُ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْقَوْلَيْنِ الْآخَرَيْنِ، لَمْ يَعْتِقْ حِصَّةُ الشَّرِيكِ. وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ، فَإِنْ قُلْنَا: السِّرَايَةُ تَحْصُلُ بِاللَّفْظِ، مَاتَ حُرًّا مَوْرُوثًا، وَأُخِذَتْ مِنَ الْمُعْتِقِ قِيمَةُ حِصَّةِ الشَّرِيكِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّبْيِينِ، لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ، فَإِذَا أَدَّاهَا تَبَيَّنَّا الْعِتْقَ، وَإِنْ قُلْنَا: يَحْصُلُ بِالْأَدَاءِ، سَقَطَتِ الْقِيمَةُ عَلَى الْأَصَحِّ ; لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَعْتِقُ.
وَالثَّانِي: تَجِبُ ; لِأَنَّهُ مَالٌ اسْتُحِقَّ فِي الْحَيَاةِ، فَلَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ. قَالَ الْإِمَامُ: وَعَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَى الْمُعْتِقِ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، ثُمَّ تَبْيِينُ أَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ قَبْلَ مَوْتِهِ. وَفِي التَّهْذِيبِ تَفْرِيعًا عَلَى تَأَخُّرِ السِّرَايَةِ أَنَّهُ يَمُوتُ نِصْفُهُ رَقِيقًا، ثُمَّ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِي مُطَالَبَةِ الشَّرِيكِ لَهُ بِقِيمَةِ نَصِيبِهِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ.
الْخَامِسَةُ: لَوْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ نَصِيبَهُ قَبْلَ أَخْذِ الْقِيمَةِ، لَمْ يَنْفُذْ إِنْ قُلْنَا بِالسِّرَايَةِ فِي الْحَالِ، وَإِنْ قُلْنَا بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ، فَكَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، لِئَلَّا يُفَوِّتَ حَقًّا ثَبَتَ لِلْأَوَّلِ، وَنَفَّذَهُ ابْنُ خَيْرَانَ وَالْإِصْطَخْرِيُّ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَعَلَى هَذَا فِي نُفُوذِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute