مَعَ الْقُدْرَةِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحَطَّ لَهُ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ جَائِزَةٌ مِنْ جِهَةِ الْمُكَاتَبِ؛ وَلِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ التَّعْلِيقَ بِالصِّفَةِ، وَالْعَبْدُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الصِّفَةِ، فَإِذَا عَجَّزَ نَفْسَهُ، فَالسَّيِّدُ بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَ فَسَخَ، وَإِنْ شَاءَ صَبَرَ، وَإِنْ أَرَادَ الْفَسْخَ فَسَخَ بِنَفْسِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الْقَاضِي.
وَهَلْ لِلْمُكَاتَبِ الْفَسْخُ؟ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا، إِذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي بَقَائِهَا، وَأَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، كَالْمُرْتَهِنِ يَفْسَخُ الرَّهْنَ، قَالَ الْإِمَامُ: وَتَجْوِيزُ الِامْتِنَاعِ مِنَ الْأَدَاءِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ بَعِيدٌ.
الرَّابِعُ: قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِجُنُونِ الْعَبْدِ، فَإِنْ أَرَادَ السَّيِّدُ الْفَسْخَ اشْتُرِطَ أَنْ يَأْتِيَ الْحَاكِمَ فَيُثْبِتَ عِنْدَهُ الْكِتَابَةَ، وَحُلُولَ النَّجْمِ، وَيُطَالِبُ بِهِ، وَيُحَلِّفُهُ الْحَاكِمُ عَلَى بَقَاءِ الِاسْتِحْقَاقِ، ثُمَّ يَبْحَثُ، فَإِنْ وَجَدَ لِلْمُكَاتَبِ مَالًا أَدَّاهُ عَنِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ لِيُعْتَقَ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الضَّرَرِ لِنَفْسِهِ، فَنَابَ عَنْهُ الْحَاكِمُ بِخِلَافِ الْغَائِبِ الَّذِي لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ.
ثُمَّ إِنَّ الْجُمْهُورَ أَطْلَقُوا أَنَّ الْحَاكِمَ يُؤَدِّي عَنْهُ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: يُؤَدِّي إِنْ رَأَى لَهُ مَصْلَحَةً فِي الْحُرِّيَّةِ، وَإِنْ رَأَى أَنَّهُ يَضِيعُ إِذَا عَتَقَ، لَمْ يُؤَدِّ، وَهَذَا حَسَنٌ، وَلَكِنَّهُ قَلِيلُ النَّفْعِ، مَعَ قَوْلِنَا: إِنَّ لِلسَّيِّدِ إِذَا وَجَدَ مَالًا الِاسْتِقْلَالَ بِأَخْذِهِ، إِلَّا أَنْ يُقَالَ: يَمْنَعُهُ الْحَاكِمُ مِنَ الْأَخْذِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ.
وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْحَاكِمُ لَهُ مَالًا مَكَّنَ السَّيِّدَ مِنَ الْفَسْخِ، فَإِذَا فَسَخَ عَادَ الْمُكَاتَبُ قِنًّا لَهُ، وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، فَإِنْ أَفَاقَ وَظَهَرَ لَهُ مَالٌ كَانَ حَصَّلَهُ قَبْلَ الْفَسْخِ، دَفَعَهُ إِلَى السَّيِّدِ، وَحَكَمَ بِعِتْقِهِ، وَبَعْضِ التَّعْجِيزِ.
هَكَذَا أَطْلَقُوهُ. وَأَحْسَنَ الْإِمَامُ، فَقَالَ: إِنْ ظَهَرَ الْمَالُ فِي يَدِ السَّيِّدِ رُدَّ التَّعْجِيزُ، وَإِلَّا فَهُوَ مَاضٍ؛ لِأَنَّهُ فَسَخَ حِينَ تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إِلَى حَقِّهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا فَحَضَرَ بَعْدَ الْفَسْخِ.
وَإِذَا حَكَمْنَا بِبُطْلَانِ التَّعْجِيزِ، وَكَانَ السَّيِّدُ جَاهِلًا بِحَالِ الْمَالِ، فَعَلَى الْمُكَاتَبِ رَدُّ مَا أَنْفَقَ السَّيِّدُ عَلَيْهِ.
وَإِنْ وَجَدَ السَّيِّدُ لِلْمُكَاتَبِ فِي جُنُونِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute