للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهَا: أَنْ يُفَرِّقَ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ وَهِيَ الذَّهَبُ، وَالْفِضَّةُ، وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ، وَالرِّكَازُ، وَزَكَاةُ الْفِطْرِ.

قُلْتُ: وَفِي زَكَاةِ الْفِطْرِ وَجْهٌ، أَنَّهَا مِنَ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ، حَكَاهُ فِي الْبَيَانِ وَنَقَلَهُ فِي الْحَاوِي عَنِ الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا، وَاخْتَارَ أَنَّهَا بَاطِنَةٌ وَهُوَ ظَاهِرُ، نَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا الْأَمْوَالُ الظَّاهِرَةُ وَهِيَ الْمَوَاشِي، وَالْمُعَشَّرَاتُ، وَالْمَعَادِنُ، فَفِي جَوَازِ تَفْرِيقِهَا بِنَفْسِهِ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا وَهُوَ الْجَدِيدُ: يَجُوزُ، وَالْقَدِيمُ: لَا يَجُوزُ، بَلْ يَجِبُ صَرْفُهَا إِلَى الْإِمَامِ إِنْ كَانَ عَادِلًا، فَإِنْ كَانَ جَائِرًا، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ وَلَا يَجِبُ، وَأَصَحُّهُمَا: يَجِبُ الصَّرْفُ إِلَيْهِ؛ لِنَفَاذِ حُكْمِهِ وَعَدَمِ انْعِزَالِهِ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَوْ فَرَّقَ بِنَفْسِهِ لَمْ تُحْسَبْ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَخِّرَ مَا دَامَ يَرْجُو مَجِيءَ السَّاعِي، فَإِذَا أَيِسَ، فَرَّقَ بِنَفْسِهِ.

الضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يُصْرَفَ إِلَى الْإِمَامِ وَهُوَ جَائِزٌ.

الثَّالِثُ: أَنْ يُوكَلَ فِي الصَّرْفِ إِلَى الْإِمَامِ، أَوِ التَّفْرِقَةُ عَلَى الْأَصْنَافِ حَيْثُ تَجُوزُ التَّفْرِقَةُ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ جَائِزٌ. وَأَمَّا أَفْضَلُ هَذِهِ الْأَضْرُبُ، فَتَفْرِقَتُهُ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ مِنَ التَّوْكِيلِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَدْ يَخُونُ، فَلَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنِ الْمُوَكِّلِ، وَأَمَّا الْأَفْضَلُ مِنَ الضَّرْبَيْنِ الْآخَرَيْنِ فَإِنْ كَانَتِ الْأَمْوَالُ بَاطِنَةً فَوَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ وَبِهِ قَطَعَ الصَّيْدَلَانِيُّ: الدَّفْعُ إِلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ يَتَيَقَّنُ سُقُوطَ الْفَرْضِ بِهِ، بِخِلَافِ تَفْرِقَتِهِ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَدْفَعُ إِلَى غَيْرِ مُسْتَحِقٍّ، وَالثَّانِي: بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَوْثَقُ، وَلْيُبَاشِرَ الْعِبَادَةَ، وَلْيَخُصَّ الْأَقَارِبَ وَالْجِيرَانَ وَالْأَحَقَّ، وَإِنْ كَانَتِ الْأَمْوَالُ ظَاهِرَةً، فَالصَّرْفُ إِلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ قَطْعًا، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَطَرَدَ الْغَزَالِيُّ فِيهِ الْخِلَافَ.

ثُمَّ حَيْثُ قُلْنَا: الصَّرْفُ إِلَى الْإِمَامِ أَوْلَى، فَذَاكَ إِذَا كَانَ عَادِلًا، فَإِنْ كَانَ جَائِرًا، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَالْعَادِلِ، وَأَصَحُّهُمَا: التَّفْرِيقُ بِنَفْسِهِ أَفْضَلُ، وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الصَّرْفُ إِلَى الْجَائِرِ، وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>