للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْتُ: وَالدَّفْعُ إِلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ مِنَ الْوَكِيلِ قَطْعًا، صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَوَجْهُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَوْ طَلَبَ الْإِمَامُ زَكَاةَ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ، وَجَبَ التَّسْلِيمُ إِلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ، بَذْلًا لِلطَّاعَةِ، فَإِنِ امْتَنَعُوا، قَاتَلَهُمُ الْإِمَامُ وَإِنْ أَجَابُوا إِلَى إِخْرَاجِهَا بِأَنْفُسِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهَا الْإِمَامُ وَلَمْ يَأْتِ السَّاعِي، أَخَّرَهَا رَبُّ الْمَالِ مَا دَامَ يَرْجُو مَجِيءَ السَّاعِي، فَإِذَا أَيِسَ فَرَّقَ بِنَفْسِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ. فَمِنَ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى جَوَازِ تَفْرِقَتِهِ بِنَفْسِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هَذَا جَائِزٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، صِيَانَةً لِحَقِّ الْمُسْتَحِقِّينَ عَنِ التَّأْخِيرِ، ثُمَّ إِذَا فَرَّقَ بِنَفْسِهِ وَجَاءَ السَّاعِي مُطَالِبًا، صُدِّقَ رَبُّ الْمَالِ بِيَمِينِهِ، وَالْيَمِينُ وَاجِبَةٌ أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ؟ وَجْهَانِ، فَإِنْ قُلْنَا: وَاجِبَةٌ، فَنَكَلَ، أُخِذَتْ مِنْهُ الزَّكَاةُ لَا بِالنُّكُولِ، بَلْ لِأَنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا.

قُلْتُ: الْأَصَحُّ أَنَّ الْيَمِينَ مُسْتَحَبَّةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا الْأَمْوَالُ الْبَاطِنَةُ، فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَيْسَ لِلْوُلَاةِ نَظَرٌ فِي زَكَاتِهَا، وَأَرْبَابُهَا أَحَقُّ بِهَا، فَإِنْ بَذَلُوهَا طَوْعًا، قَبِلَهَا الْوَالِي، فَإِنْ عَلِمَ الْإِمَامُ مِنْ رَجُلٍ أَنَّهُ لَا يُؤَدِّيهَا بِنَفْسِهِ، فَهَلْ لَهُ أَنْ يَقُولَ: إِمَّا أَنْ تَدْفَعَ بِنَفْسِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَدْفَعَ إِلَيَّ حَتَّى أُفَرِّقَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ يَجْرِيَانِ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالنُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ.

قُلْتُ: الْأَصَحُّ وُجُوبُ هَذَا الْقَوْلِ إِزَالَةً لِلْمُنْكَرِ، وَلَوْ طَلَبَ السَّاعِي زِيَادَةً عَلَى الْوَاجِبِ، لَا يَلْزَمُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ، وَهَلْ يَجُوزُ الِامْتِنَاعُ مِنْ دَفْعِ الْوَاجِبِ لِتَعَدِّيهِ، أَمْ لَا يَجُوزُ خَوْفًا مِنْ مُخَالَفَةِ وُلَاةِ الْأَمْرِ؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا النِّيَّةُ، فَوَاجِبَةٌ قَطْعًا، وَهَلْ تَتَعَيَّنُ بِالْقَلْبِ، أَمْ يَقُومُ النُّطْقُ بِاللِّسَانِ مَقَامَهَا؟ فِيهِ طَرِيقَانِ. أَحَدُهُمَا: يَتَعَيَّنُ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَأَشْهَرُهُمَا عَلَى وَجْهَيْنِ، وَقِيلَ: عَلَى قَوْلَيْنِ أَصَحُّهُمَا: تَتَعَيَّنُ، وَالثَّانِي: يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْقَلْبِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى اللِّسَانِ. ثُمَّ صِفَةُ النِّيَّةِ أَنْ يَنْوِيَ: هَذَا فَرْضُ زَكَاةِ مَالِي، أَوْ فَرْضُ صَدَقَةِ مَالِي،

<<  <  ج: ص:  >  >>