قُلْتُ: الْمَشْهُورُ هُوَ الْجَدِيدُ، وَالْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ «يَأْخُذُ شَطْرَ مَالِهِ» ضَعَّفَهُ الشَّافِعِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَنُقِلَ أَيْضًا عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُمْ لَا يُثْبِتُونَهُ، وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ الْمُخْتَارُ. وَأَمَّا جَوَابُ مَنْ أَجَابَ مِنْ أَصْحَابِنَا بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ، فَضَعِيفٌ، فَإِنَّ النَّسْخَ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، وَلَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَيْهِ هُنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ إِنْ نَوَى الْمُمْتَنِعُ حَالَ الْأَخْذِ مِنْهُ، بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَلَا حَاجَةَ إِلَى نِيَّةِ الْإِمَامِ، وَإِلَّا فَإِنْ نَوَى الْإِمَامُ أَجْزَأَهُ فِي الظَّاهِرِ، وَلَا يُطَالَبُ ثَانِيًا، وَهَلْ يُجْزِئُهُ بَاطِنًا؟ وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: يُجْزِئُهُ كَوَلِيِّ الصَّبِيِّ، تَقُومُ نِيَّتُهُ مَقَامَ نِيَّتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامُ، لَمْ يَسْقُطِ الْفَرْضُ فِي الْبَاطِنِ قَطْعًا، وَلَا فِي الظَّاهِرِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ تَجِبُ النِّيَّةُ عَلَى الْإِمَامِ، وَأَنَّهُ تَقُومُ نِيَّتُهُ مَقَامَ نِيَّةِ الْمَالِكِ، وَقِيلَ: إِنْ قُلْنَا: لَا تَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمَالِكِ بَاطِنًا، لَمْ تَجِبِ النِّيَّةُ عَلَى الْإِمَامِ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: تَجِبُ، كَالْوَلِيِّ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِئَلَّا يَتَهَاوَنَ الْمَالِكُ فِيمَا هُوَ مُتَعَبَّدٌ بِهِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يُوكِلَ مَنْ يُفَرِّقُ زَكَاتَهُ، فَإِنْ نَوَى الْمُوَكِّلُ عِنْدَ الدَّفْعِ إِلَى الْوَكِيلِ، وَنَوَى الْوَكِيلُ عِنْدَ الدَّفْعِ إِلَى الْمَسَاكِينِ، فَهُوَ الْأَكْمَلُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، أَوْ لَمْ يَنْوِ الْمُوَكِّلُ - لَمْ يُجْزِئْهُ، وَإِنْ نَوَى الْمُوَكِّلُ عِنْدَ الدَّفْعِ وَلَمْ يَنْوِ الْوَكِيلُ، فَطَرِيقَانِ، أَحَدُهُمَا: الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ، وَأَصَحُّهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إِذَا فَرَّقَ بِنَفْسِهِ، هَلْ يُجْزِئُهُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ عَلَى التَّفْرِقَةِ؟
وَالْأَصَحُّ الْإِجْزَاءُ كَالصَّوْمِ؛ لِلْعُسْرِ، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ سَدُّ حَاجَةِ الْفَقِيرِ، وَعَلَى هَذَا يَكْفِي نِيَّةُ الْمُوَكِّلِ عِنْدَ الدَّفْعِ إِلَى الْوَكِيلِ، وَعَلَى الثَّانِي: يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْوَكِيلِ عِنْدَ الدَّفْعِ إِلَى الْمَسَاكِينِ، وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا وَفَوَّضَ النِّيَّةَ إِلَيْهِ، جَازَ، كَذَا ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ وَالْوَسِيطِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute