فَعَنِ الْفَائِتَةِ لَا تُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ شَرْطٌ، وَعَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ تَرَدَّدَ فِي إِجْزَائِهِ عَنِ الْحَاضِرِ، وَلَوْ قَالَ: هَذِهِ عَنِ الْغَائِبِ إِنْ كَانَ بَاقِيًا وَإِلَّا فَعَنِ الْحَاضِرِ، أَوْ هِيَ صَدَقَةٌ، وَكَانَ الْغَائِبُ تَالِفًا - لَمْ يَقَعْ عَنِ الْحَاضِرِ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَوْ قَالَ: إِنْ كَانَ مَالِي الْغَائِبُ سَالِمًا فَهَذِهِ زَكَاتُهُ، أَوْ نَافِلَةً وَكَانَ سَالِمًا - لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْلِصِ الْقَصْدَ عَنِ الْفَرْضِ، وَقَوْلُنَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ: مَالٌ غَائِبٌ، يُتَصَوَّرُ إِذَا كَانَ غَائِبًا فِي بَلَدٍ آخَرَ - وَجَوَّزْنَا نَقْلَ الصَّدَقَةِ - أَوْ مَعَهُ فِي الْبَلَدِ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْ مَجْلِسِهِ.
فَرْعٌ
إِذَا نَابَ فِي إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ عَنِ الْمَالِكِ غَيْرُهُ، فَلَهُ صُوَرٌ.
مِنْهَا: نِيَابَةُ الْوَلِيِّ عَنِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ، قَالَ الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ: فَلَوْ دَفَعَ بِلَا نِيَّةٍ لَمْ يَقَعِ الْمَوْقِعَ، وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَتَوَلَّى السُّلْطَانُ قَسْمَ زَكَاةِ إِنْسَانٍ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَدْفَعَهَا إِلَى السُّلْطَانِ طَوْعًا، أَوْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ كَرْهًا، فَإِنْ دَفَعَ طَوْعًا وَنَوَى عِنْدَ الدَّفْعِ، كَفَى، وَلَا تُشْتَرَطُ نِيَّةُ السُّلْطَانِ عِنْدَ التَّفْرِيقِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمَسَاكِينِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْمَالِكُ، وَنَوَى السُّلْطَانُ أَوْ لَمْ يَنْوِ، فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: تُجْزِئُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرٌ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ، وَالثَّانِي: لَا تُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمَسَاكِينِ، وَلَوْ دَفَعَ الْمَالِكُ إِلَى الْمَسَاكِينِ بِلَا نِيَّةٍ، لَمْ يُجْزِئْهُ، فَكَذَا نَائِبُهُمْ، وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ، وَصَاحِبَيِ الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ وَجُمْهُورِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَحَمَلُوا كَلَامَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْمُمْتَنِعِ: يُجْزِئُهُ الْمَأْخُوذُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ. لَكِنْ نَصَّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ طَائِعًا كَانَ أَوْ كَارِهًا، وَأَمَّا إِذَا امْتَنَعَ مِنْ دَفْعَ الزَّكَاةَ، فَيَأْخُذُهَا مِنْهُ السُّلْطَانُ كَرْهًا، وَلَا يَأْخُذُ إِلَّا قَدْرَ الزَّكَاةِ عَلَى الْجَدِيدِ، وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: يَأْخُذُ مَعَ الزَّكَاةِ شَطْرَ مَالِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute