وَحَالُهُ تَشْهَدُ بِصِدْقِهِ، بِأَنْ كَانَ شَيْخًا كَبِيرًا، أَوْ زَمِنًا، أُعْطِيَ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ. وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا جَلْدًا، أَوْ قَالَ: لَا مَالَ لِي، وَاتَّهَمَهُ الْإِمَامُ، فَهَلْ يَحْلِفُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا: لَا، فَإِنْ حَلَّفْنَاهُ، فَهَلْ هُوَ وَاجِبٌ، أَمْ مُسْتَحَبٌّ؟ وَجْهَانِ. فَإِنْ نَكَلَ وَقُلْنَا: الْيَمِينُ وَاجِبَةٌ، لَمْ يُعْطَ. وَإِنْ قُلْنَا: مُسْتَحَبَّةٌ، أُعْطِيَ. وَأَمَّا الصِّفَةُ الْجَلِيَّةُ، فَضَرْبَانِ.
أَحَدُهُمَا: يَتَعَلَّقُ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهِ بِمَعْنَى فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ الْغَازِي، وَابْنُ السَّبِيلِ، فَيُعْطَيَانِ بِقَوْلِهِمَا بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ. ثُمَّ إِنْ لَمْ يُحَقِّقَا الْمَوْعُودَ وَيَخْرُجَا فِي السَّفَرِ، اسْتُرِدَّ مِنْهُمَا.
وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْجُمْهُورُ لِبَيَانِ الْقَدْرِ الَّذِي يُحْتَمَلُ تَأْخِيرُ الْخُرُوجِ فِيهِ، وَقَدَّرَهُ السَّرَخْسِيُّ فِي «أَمَالِيهِ» بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَإِنِ انْقَضَتْ وَلَمْ يَخْرُجِ اسْتُرِدَّ مِنْهُ. وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَلَى التَّقْرِيبِ، وَأَنْ يُعْتَبَرَ تَرَصُّدُهُ لِلْخُرُوجِ، وَكَوْنُ التَّأْخِيرِ لِانْتِظَارِ الرُّفْقَةِ وَتَحْصِيلِ أُهْبَةٍ وَغَيْرِهِمَا.
الضَّرْبُ الثَّانِي: يَتَعَلَّقُ الِاسْتِحْقَاقُ فِيهِ بِمَعْنَى فِي الْحَالِ، وَتَدْخُلُ فِيهِ بَقِيَّةُ الْأَصْنَافِ. فَإِذَا ادَّعَى الْعَامِلُ الْعَمَلَ، طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ لِسُهُولَتِهَا، وَيُطَالَبُ بِهَا الْمُكَاتَبُ وَالْغَارِمُ. وَلَوْ صَدَّقَهُمَا الْمَوْلَى، وَصَاحِبُ الدَّيْنِ، كَفَى عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، لَغَا الْإِقْرَارَ.
وَأَمَّا الْمُؤَلَّفُ قَلْبُهُ، فَإِنْ قَالَ: نِيَّتِي فِي الْإِسْلَامِ ضَعِيفَةٌ، قُبِلَ قَوْلُهُ، لِأَنَّ كَلَامَهُ يُصَدِّقُهُ، وَإِنْ قَالَ: أَنَا شَرِيفٌ مُطَاعٌ فِي قَوْمِي، طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ، كَذَا فَصَّلَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ: أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِالْبَيِّنَةِ، وَيَقُومُ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ الِاسْتِفَاضَةُ بِاشْتِهَارِ الْحَالِ بَيْنَ النَّاسِ، لِحُصُولِ الْعِلْمِ، أَوْ غَلَبَةِ الظَّنِّ، وَيَشْهَدُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مَنِ اعْتَبَارَ غَلَبَةَ الظَّنِّ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ.
أَحَدُهَا: قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: لَوْ أَخْبَرَ عَنِ الْحَالِ وَاحِدٌ يُعْتَمَدُ قَوْلُهُ، كَفَى. الثَّانِي: قَالَ الْإِمَامُ: رَأَيْتُ لِلْأَصْحَابِ رَمْزًا إِلَى تَرَدُّدٍ فِي أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ الْوُثُوقُ بِقَوْلِ مَنْ يَدَّعِي الْغُرْمَ، وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ، هَلْ يَجُوزُ اعْتِمَادُهُ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute