قُلْتُ: قَالَ الشَّيْخُ نَصْرٌ: إِذَا قُلْنَا: لَا يُعْطَى إِلَّا بِسَبَبٍ، فَأَخَذَ بِالْفَقْرِ، كَانَ لِغَرِيمِهِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِدَيْنِهِ، فَيَأْخُذُ مَا حَصَلَ لَهُ. وَكَذَا إِنْ أَخَذَهُ بِكَوْنِهِ غَارِمًا، فَإِذَا بَقِيَ بَعْدَ أَخْذِهِ مِنْهُ فَقِيرًا، فَلَا بُدَّ مِنْ إِعْطَائِهِ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ، لِأَنَّهُ الْآنَ مُحْتَاجٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: يَجِبُ اسْتِيعَابُ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ فَرَّقَ بِنَفْسِهِ، أَوْ فَرَّقَ الْإِمَامُ، وَلَيْسَ هُنَاكَ عَامِلٌ، فَرَّقَ عَلَى السَّبْعَةِ. وَحُكِيَ قَوْلٌ: أَنَّهُ إِذَا فَرَّقَ بِنَفْسِهِ، سَقَطَ أَيْضًا نَصِيبُ الْمُؤَلَّفَةِ. وَالْمَشْهُورُ: مَا سَبَقَ.
وَمَتَّى فُقِدَ صِنْفٌ فَأَكْثَرُ، قُسِّمَ الْمَالُ عَلَى الْبَاقِينَ. فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنَ الْأَصْنَافِ، حُفِظَتِ الزَّكَاةُ حَتَّى يُوجَدُوا، أَوْ يُوجَدَ بَعْضُهُمْ. وَإِذَا قَسَّمَ الْإِمَامُ، لَزِمَهُ اسْتِيعَابُ آحَادِ كُلِّ صِنْفٍ، وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِهِمْ، لِأَنَّ الِاسْتِيعَابَ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَسْتَوْعِبُهُمْ بِزَكَاةِ كُلِّ شَخْصٍ، بَلْ يَسْتَوْعِبُهُمْ مِنَ الزَّكَاةِ الْمُخْتَلِطَةِ فِي يَدِهِ، وَلَهُ أَنْ يَخُصَّ بَعْضَهُمْ بِنَوْعٍ مِنَ الْمَالِ، وَآخَرِينَ بِنَوْعٍ.
وَإِنْ قَسَّمَ الْمَالِكُ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الِاسْتِيعَابُ، بِأَنْ كَانَ الْمُسْتَحِقُّونَ فِي الْبَلَدِ مَحْصُورِينَ يَفِي بِهِمُ الْمَالُ، فَقَدْ أُطْلِقَ فِي «التَّتِمَّةِ» : أَنَّهُ يَجِبُ الِاسْتِيعَابُ، وَفِي «التَّهْذِيبِ» : أَنَّهُ يَجِبُ إِنْ جَوَّزْنَا نَقْلَ الصَّدَقَةِ، وَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْهُ لَمْ يَجِبْ، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ، سَقَطَ الْوُجُوبُ وَالِاسْتِحْبَابُ، وَلَكِنْ لَا يَنْقُصُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِلَفْظِ الْجَمْعِ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ عَنْ ثَلَاثَةٍ، إِلَّا الْعَامِلَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا وَهَلْ يُكْتَفَى فِي ابْنِ السَّبِيلِ بِوَاحِدٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
أَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ، كَالْفُقَرَاءِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَا يَبْعُدُ طَرْدُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْغُزَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) [التَّوْبَةِ: ٦٠] بِغَيْرِ لَفْظِ الْجَمْعِ. فَلَوْ صَرَفَ مَا عَلَيْهِ إِلَى اثْنَيْنِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الثَّالِثِ، غَرِمَ لِلثَّالِثِ.
وَفِي قَدْرِهِ قَوْلَانِ. الْمَنْصُوصُ فِي الزَّكَاةِ: أَنَّهُ يَغْرَمُ ثُلُثَ نَصِيبِ ذَلِكَ الصِّنْفِ. وَالْقِيَاسُ: أَنَّهُ يَغْرَمُ قَدْرًا لَوْ أَعْطَاهُ فِي الِابْتِدَاءِ، أَجْزَأَهُ، لِأَنَّهُ الَّذِي فَرَّطَ فِيهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute